الشافعي على شعر هُذيل حفظاً، وقال: لا تُعلِم بهذا أحداً من أهل الحديث، فإنهم لا يحتملون هذا". انتهى.
قلتُ: بل إنّ أهل الحديث لم يحتملوا أقل من هذا بكثير! لم يحتملوا تصنيفَ الحديث على الأبواب! جاء في "الحلية" لأبي نعيم (165: 8) ، في ترجمة الإمام الجليل القدوة عالِم خراسان الفقيه المحدث العابد المجاهد: (أبي عبد الرحمن عبد الله بن المبارك) المتوفى سنة 181 رحمه الله تعالى، ما يلي:
"قال أحمد بن أبي الحَوَارى: سمعتُ أبا أسامة - هو الحافظ الإمام الحجة حماد بن أسامة الكوفي - يقول: مررت بعبد الله بن المبارك بطرَسوس -ثغر من ثغور الجهاد في وجه الأعداء - وهو يُحدِّث، فقلتُ: يا أبا عبد الرحمن، إني لأنكر هذه الأبوابَ والتصنيف الذي وضعتمون ما هكذا أدركنا المشيخة! " انتهى.
فإذا كان هذا شأن أحد كبار المحدثين، مع شيخ المحدِّثين والزهاد، وإمام المجاهدين والعُبَّاد: عبد الله بن المبارك، وكلُّ الذي صنَعَهُ هو أنه جمع الأحاديث تحت عناوين (الأبواب والتصنيف عليها) ! فلا شك أنَّ شأنهم أشدُّ إنكاراً مئةَ مرةً مع الذي يُعمل رأيَه في فهم النص أو يؤوله لدليلٍ يقتضي ذلك عنده!
وقال الإمام الغزالي في "الإحياء" (79: 1 في مبحث (آفات العلم وبيان علامات علماء الآخرة والعلماء السوء)) : "كان الأولون يَكرهون كَتبَ الأحاديث وتصنيف الكتب، لئلا يشتغل الناس بها عن الحفظ، وعن القرآن، وعن التدبر والتذكر، وكان أحمد بن حنبل ينكر على مالك في تصنيفه "الموطأ"، ويقول: ابتدع ما لم يفعله الصحابة رضي الله عنهم". انتهى.
وانظر أقوالاً أخرى للإمام أحمد - في هذا الصدد أيضاً وعلى غِرار ما نقله الإمام الغزالي - في "مناقب الإمام أحمد " لابن الجوزي في (الباب الثامن والعشرون في ذكر كراهيته وَضْعَ الكتبِ المشتملة على الرأي، ليتوافر الالتفات إلى النقل)