(لقد انشرح صدري وحصل لي اليقين بأن الموطأ أصح كتاب يوجد على وجه الأرض بعد كتاب الله، كذلك تيقَّنْت أن طريق الإجتهاد وتحصيل الفقه (بمعنى معرفة أحكام الشريعة من أدلتها التفصيلية) مسدود اليوم (على من رام التحقيق) إلاَّ من وجه واحد، وهو أن يجعل المحقِّق الموطّأ نصب عينيه ويجتهد في وصل مراسيله ومعرفة مآخذ أقوال الصحابة والتابعين (بتتبُّع كتب أئمة المحدثين) ، ثم يسلك طريق الفقهاء المجتهدين (في المذاهب) من تحديد مفهوم الألفاظ، وتطبيق الدلائل، وتبيين الركن والشرط والآداب، واستخلاص القواعد الكلية الجامعة المانعة، ومعرفة عِلَل الأحكام وتعميمها وتحقيقها، وفقاً لعموم العِلّة وخصوصها، وأمثال ذلك، ويجتهد في فَهْم تعقّبات الإمام الشافعيّ وغيره (كتفقّبات الإمام محمد في موطّئه، وكتاب الحجج) ، ثم يجتهد في تطبيق المختلفات أو ترجيح الأحسن منها، ويتمكَّن من تحصيل اليقين بدلالة الدلائل على تلك المسائل، وبغالب الظن للرأي لمعرفة أحكام الله تعالى) (المرجع السابق: ص 29) .
أما ما يتصل بمكانة الموطّأ للإمام محمد رحمه الله تعالى بالنسبة إلى موطّأ مالك برواية يحيى الأندلسي الليثي المصمودي وهو المتبادر بالموطّأ عند الإطلاق، وأكبّ عليه العلماء في القديم والحديث بالتدريس والشرح، فحسب القارئ ما يقوله الإمام عبدُ الحيّ بن عبد الحليم اللَّكنَوي صاحب "التعليق الممجَّد" في مقدمته لهذا الكتاب:
(له ترجيح على الموطّأ برواية يحيى وتفضيل عليه لوجوه مقبولة عند أولي الأفهام) (التعليق الممجّد، ص 35 طبع المطبع المصطفائي 1297 هـ) .
ثم ذكر هذه الأسباب وتوسَّع في عِّدها وشرحها (يُرجع إلى البحث في المقدمة، من ص 35 إلى ص 40) .
وقد كان الإمام عبد الحيّ اللَّكْنَويّ من أقدر الناس وأجدرهم بالتعليق على موطّأ الإمام محمد، لأنه كان يجمع بين الصلة العلمية القوية بالحديث والصلة العلمية القوية بفقه المذاهب الأربعة، وبصفة خاصة بالمذهب الحنفي، الذي كان