عليه بتأليف "الموطأ": يا أبا عبد الله، إنه لم يَبق على وجه الأرض أعلَمُ مني ومنك، وإني قد شغَلَتني الخلافة، فضَعْ أنت للناس كتاباً ينتفعون به، تجنَّبْ فيه رُخَص ابن عباس، وشدائدَ ابن عمر - وشوادَّ ابن مسعود -، ووطِّئْهُ للناس توطئة، قال مالك: فوالله لقد علَّمني التصنيف يومئذ". انتهى.

فألف مالك "الموطأ"على هذا المنهج، فالموطأ معناه: المسهَّل الميسَّر (يقال في اللغة: وَطُؤَ الموضعُ يَوْطُؤُ وَطاءةً ووُطوءةً: لانَ سَهُل، فهو وطيءٌ، ووطَّأ الموضعَ صَيَّرهُ وطيءاً، ووطَّأ الفرِاشَ: دَمَّثَهُ ودَثَّرهُ، والموطَّأ: المسهَّلُ الميسَّر. كما في "القاموس" و"المعجم الوسيط") .

وذكر العلماء أن الإمام ابنَ أبي ذئب مُعاصِرَ الإمام مالك وبلديَّه - قد صنَّف موطّأً أكبرَ من موطأ مالك، حتى قيل لمالك: ما الفائدة في تصنيفك؟ فقال: ما كان لله بقي (من "الرسالة المستطرفة" ص 9) .

تأريخ تأليف الموطأ:

- ذكر العلماء أن أبا جعفر المنصور حين حَجَّ بالناس أيام خلافته، طَلَب من الإمام مالك أن يُدوِّن كتاب "الموطأ".

وقد استقرأت حجات أبي جعفر بعد خلافته، في "تاريخ الطبري"، فتبيَّن أنها كانت خمسَ حجات، أولُها في سنةِ 140 ثم سنة 144، ثم سنةِ 147، ثم سنةِ 152، ثم سنةِ 158، التي توفي فيها بمكة حاجاً محرماً.

ولم يتعرض الإمام ابن جرير عند ذكره هذه الحجات لأبي جعفر، للحديث عن تدوين كتاب "الموطأ".

نعم تعرَّض لذلك ابن جرير في كتابه "ذيل المذيَّل" المطبوع بآخر تاريخه 11: 659، فذكر القصة عن المهدي أولاً، ثم ذكرها عن أبي جعفر ثانياً برواية الواقدي.

وتابعه على ذكرِ ذلك كذلك: بتقديم رواية أن المهدي هو المُقترحُ لتأليف "الموطأ"، على رواية أن المنصور هو المقترح تأليفه: الإمامُ ابن عبد البر في "الانتقاء" ص 40، فساق الروايتين من طريق ابن جرير، الأولى بسنده إلى إبراهيم بن حماد الزهري المدني، عن مالك. والثانية بسنده إلى محمد بن عمر الواقدي، عن مالك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015