- وخاف أن يكون منه عطف أو رحمة -: يا أمير المؤمنين! إنه ضال مضل كافر بالله، قلت: يا أمير المؤمنين! اتق الله في دمي ونفسي، فقال: هذا كافر، وقال: هذا كافر، فأمرني حينئذ فأقمت بين العقابين، وجيء بكرسي فوضع له، فجلس عليه وابن أبي دؤاد وأصحابه قيام على رأسه، فقال لي إنسان: خذ الخشبتين بيدك وشد عليهما، فلم أفهم منه ذاك فتخلعت يداي، ثم قال أبو إسحاق للجلادين: أروني سياطكم، فنظر فقال: ائتوني بغيرها1، فأتوه بغيرها، ثم قال لهم: تقدموا، وقال لهم: ادنوا واحدا واحدا، ثم قال: أوجع؛ قطع الله يدك! فتقدم فضربني سوطين ثم تأخر، ثم قال لآخر: ادن، شد؛ قطع الله يدك! فضربني سوطين، ثم جاء آخر، فلم يزل كذلك فأغمي علي لما ضربني أسواطا، فلم أعقل حتى أرخى عني، فجاء فوقف وهم محدقون به، فقال: يا أحمد: ويلك تقتل نفسك، ويحك أجبني، أطلق عنك، وقال لي بعضهم: ويلك أمير المؤمنين قائم، ويلك إمامك على رأسك قائم، ويعجني عجيف بقائمة سيفه، فقال لي: يريد يغلب هؤلاء كلهم.
وجعل إسحاق بن إبراهيم يقول لي: ويلك الخليفة على رأسك قائم، وهذا يقول: يا أمير المؤمنين، دمه في عنقي، ثم يرجع فيجلس على الكرسي، ثم يقول للجلاد: ادنه، أوجع؛ قطع الله يدك! ولم (يزل يدعو) 2 واحدا واحدا حتى يضربني سوطين سوطين، ويتنحى وهو يقول: (شدّ؛ قطع الله يدك!) 3 أوجع! قال: ثم قام إليّ الثالثة، وما أعقل، فجعل يقول: يا أحمد أجبني، قال: وجعل عبد الرحمن يقول لي: أصحابك يحيى وفلان وفلان، أليس قد أجابوا؟ قال للجلاد: أوجع! وذهب عقلي، واسترخيت، فلما أحس أني ميت، كأنه أرعبه ذلك، فأمر بتخليتي حينئذ، وأنا على ذلك لا أعقل، فما عقلت إلا وأنا في حجرة مطلق الأقياد"4.
وهكذا صور هذا الكتاب تلك البطولة الفذة في مواجهة الجيوش الخاسرة أبدع تصوير وأصدقه، صور الزبد والحق؛ {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ} 5، صور الجبروت والإيمان، صور سيف الحق، صور سجن الدار وحرية النفس، صور قيد الحديد