كان الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - خيار الناس، وأكرمهم نفسا، وأحسنهم عشرة وأدبا، كثير الإطراق والغض، معرضا عن القبيح واللغو، لا يسمع منه إلا المذاكرة للحديث وذكر الصالحين والزهاد، في وقار وسكون ولفظ حسن، وإذا لقيه إنسان بش به وأقبل عليه، وكان يتواضع للشيوخ تواضعا شديدا، وكانوا يكرمونه ويعظمونه، وكان قدوة عالية لأهل زمانه بعلمه وخلقه وورعه، وصبره وقوة احتماله، واستهانته بالأذى في سبيل الله.
وكانت روح الجدة والسكينة هي التي تظل مجلسه؛ لأن ذلك هو الذي يتفق مع رواية السنة النبوية الشريفة، وآثار الرسول الكريم، وفتاوى السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم، ومن شأن السكينة أن تجعل للقول مكانه من القلب ومنزلته، وإنه وإن كانت الدعابة تذهب بالملال، فإن كثرتها تذهب بالروعة ورواء العلم، وقد تجنب الإمام أحمد المزاح جملة؛ إذ إن رواية السنة عبادة عنده، ولا مزح في وقت العبادة، بل المزاح ينافيها.