في أذني القرآن كلام الله وليس بمخلوق حتى أخلصك من عذاب الله عز وجل، فقال المعتصم: أدخلوه إلى الحبس، فحمل إلى الحبس وانصرف الناس1.
وهكذا واجه الإمام أحمد بن حنبل المحنة في صبر جميل وشجاعة نادرة، يقول أحد جلاديه: "ضربت أحمد بن حنبل ثمانين سوطا لو ضربته فيلا لهدمته"2.
والراجح أن المحنة كانت في سنة تسع عشرة ومائتين؛ من واقع ما جاء في هذا الكتاب الذي يرويه ابن عمه، وفي كتاب النجوم الزاهرة3.
وذهب العليمي إلى احتمال أن تكون المحنة في سنة تسع عشرة4، بخلاف مما ذكره ابن خلكان من أن ضربه في العشر الأخير من رمضان سنة عشرين ومائتين5.
وكانت مدة حبس الإمام ثلاثين شهرا، منذ بداية المحنة في عهد المأمون إلى أن خرج من السجن في شهر رمضان سنة عشرين ومائتين.
وقد رأى الإمام أحمد - رحمه الله - أن الأخذ بالتقية في دار الإسلام لا يصح؛ لأن المنكر في دار الإسلام يجب استنكاره وإلا تحولت صفتها ولم يعد لها اسم، وأن الاستنكار له مراتب، والتقية تكون حيث لا يكون للإسلام قوة وسلطانا كبلاد يضطهد الإسلام فيها، ولا سبيل للمسلم في الخروج منها فيستخفي بدينه، وتلك رخصة رخصت له تيسيرا وتسهيلا، وكل نفس وما تطيق.
ولأن التقية لا تجوز من الأئمة الذين يقتدى بهم ويهتدى بهديهم، حتى لا يضل الناس؛ لأنهم إن نطقوا بغير ما يعتقدون وليس للناس علم ما في الصدر، اتبعوهم في مظهرهم، وظنوا أنه الحق الذي ارتضوه دينا، وبذلك يكون الفساد عاما ولا يخص، وحق على الإمام أن يكون الممتحن المبتلى، فتنشر الفكرة السليمة ويكون الابتلاء سبيل نشرها وذيوعها6، وينتصر الدين بصاحب العقيدة القوية، ويتحمله في سبيل نصرة دين الله على كل بلية، وترفع راية الإسلام عالية ويندحر أصحاب البدعة والضلالة.
ويصفح الإمام أحمد رضوان الله عليه عن المعتصم، راجيا غفران ربه، وحسن ثوابه،