وخلد مَعَ الْقلب الحى الطَّاهِر كل مَا صدر عَنهُ من كلم حى طَاهِر طيب مُرْتَبِط بِاللَّه مَوْصُول بِهِ
وَإِن من أخلد مَا كتب عَن التصوف والصوفية لكتاب التعرف لمَذْهَب أهل التصوف للْإِمَام الْعَالم الْعَارِف تَاج الْإِسْلَام أبي بكر مُحَمَّد بن إِسْحَاق البخارى الكلاباذي المتوفي سنة 380 هـ 990 م
وَهُوَ من أقدم وأدق وأنقى وأصفى مَا كتب عَن هَذَا الْعلم وَرِجَاله
كتبه الْعَارِف الكلاباذي فِي الْعَصْر الذَّهَبِيّ للتصوف فِي أَوَائِل الْقرن الرَّابِع لِلْهِجْرَةِ الْقرن الَّذِي بلغ فِيهِ التصوف كَمَاله العلمي والفني واستكمل فِيهِ التصوف علومه ومناهجه وآدابه وسلوكه ومقاماته
وَجَاء كتاب الكلاباذي صُورَة كَامِلَة لعصره الذَّهَبِيّ بل صُورَة للتصوف فِي أَعلَى ذراه وأنقى موارده وَأهْدى معارجه
وَالْكتاب بعد هَذَا صُورَة ورسالة يقوم على مَنْهَج وغايه فِي دقة وَأَمَانَة وبراعة علمية وكفاءة فنية يزينه ويجليه اسلوب عبقرى فِيهِ إشراق ومرونة لَا يعرف الحشو والتطرف وَلَا البهرج الْمُتَكَلف بل يقْصد إِلَى غَايَته بأرشق الْكَلِمَات وأحلاها وأعلاها فِي غير إِسْرَاف أَو تَطْوِيل أَو خُرُوج عَن الهدف والمنهج
وَلِهَذَا كَانَ هَذَا الْكتاب مَعَ قله صفحاته موسوعة علمية صوفية كبرى يُغني عَن غَيره من الموسوعات الْكُبْرَى وَلَا يُغني غَيره عَنهُ حَتَّى قَالَ عُلَمَاء التصوف القدامى لَوْلَا التعرف لما عرف التصوف
والكلاباذي لَيْسَ مؤرخا فِي هَذَا الْكتاب فَحسب بل هُوَ عَالم عَارِف ذائق يُدْلِي بِرَأْيهِ وحجته ثمَّ هُوَ معاصر وصديق للثقات الْأَئِمَّة الَّذين اضاءوا آفَاق التصوف