يَفْعَلُونَ ماشاءوا ويحكمون مَا أَرَادوا وَلم يكن الله القوى الْقَدِير بقوله {وَيفْعل الله مَا يَشَاء} أولى من عبد حقير ضَعِيف فَقير
وَلَو كَانَت الِاسْتِطَاعَة هِيَ الْأَعْضَاء السليمة لاستوى فِي الْفِعْل كل ذِي أَعْضَاء سليمَة فَلَمَّا رَأينَا ذَوي أَعْضَاء سليمَة وَلم نر أفعالهم ثَبت أَن الِاسْتِطَاعَة مَا يرد من الْقُوَّة على الْأَعْضَاء السليمة وَتلك الْقُوَّة متفاضلة فِي الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان وَوقت دون وَقت وَهَذَا يُشَاهِدهُ كل من نَفسه
ثمَّ لما كَانَت الْقُوَّة عرضا وَالْعرض لَا يبْقى بِنَفسِهِ وَلَا بَقَاء فِيهِ لِأَن مَا لَا يقوم بِنَفسِهِ وَلَا يقوم بِهِ غَيره لَا يبْقى بِبَقَاء فِي غَيره لِأَن بَقَاء غَيره لَيْسَ بِبَقَاء لَهُ بَطل أَن يكون لَهُ بَقَاء وَإِذا كَانَ كَذَلِك وَجب أَن تكون قُوَّة كل فعل غير قُوَّة غَيره
وَلَوْلَا ذَلِك لم تكن لِلْخلقِ حَاجَة إِلَى الله تَعَالَى عِنْد أفعالهم وَلَا كَانُوا فُقَرَاء إِلَيْهِ ولكان قَوْله تَعَالَى {وَإِيَّاك نستعين} لَا معنى لَهُ
وَلَو كَانَت الْقُوَّة قبل الْفِعْل وَهِي لَا تبقى لوقت الْفِعْل لَكَانَ الْفِعْل بِقُوَّة مَعْدُومَة وَلَو كَانَت كَذَلِك لَكَانَ وجود الْفِعْل من غير قُوَّة وَفِي ذَلِك إبِْطَال الربوبية والعبودية جَمِيعًا لِأَنَّهُ لَو كَانَ كَذَلِك لَكَانَ يجوز وُقُوع فعل من غير قوى وَلَو جَازَ ذَلِك لجَاز أَن يكون وجودهَا بأنفسها من غير فَاعل وَقد قَالَ الله تَعَالَى فِي قصَّة مُوسَى وَالْعَبْد الصَّالح {إِنَّك لن تَسْتَطِيع معي صبرا} وَقَوله {ذَلِك تَأْوِيل مَا لم تسطع عَلَيْهِ صبرا} يُرِيد لَا تقوى عَلَيْهِ
وَأَجْمعُوا أَن لَهُم أفعالا واكتسابا على الْحَقِيقَة هم بهَا مثابون وَعَلَيْهَا معاقبون وَلذَلِك جَاءَ الْأَمر وَالنَّهْي وَعَلِيهِ ورد الْوَعْد والوعيد