والصحو الَّذِي هُوَ عقيب السكر هُوَ أَن يُمَيّز فَيعرف المؤلم من الملذ فيختار المؤلم فِي مُوَافقَة الْحق وَلَا يشْهد الْأَلَم بل يجد لَذَّة فِي المؤلم
كَمَا جَاءَ عَن بعض الْكِبَار أَنه قَالَ لَو قطعني الْبلَاء إربا إربا مَا ازددت لَك إِلَّا حبا حبا
وَعَن أبي الدَّرْدَاء أَنه قَالَ أحب الْمَوْت اشتياقا إِلَى رَبِّي وَأحب الْمَرَض تكفيرا لخطيئتي وَأحب الْفقر تواضعا لرَبي
وَعَن بعض الصَّحَابَة أَنه قَالَ يَا حبذا المكروهان الْمَوْت والفقر
وَهَذِه الْحَالة أتم لِأَن صَاحب السكر يَقع على الْمَكْرُوه من حَيْثُ لَا يدْرِي
ويغيب عَن وجود التكره وَهَذَا يخْتَار الآلام على الملاذ ثمَّ يجد اللَّذَّة فِيمَا يؤلمه بِغَلَبَة شُهُود فَاعله
والصاحي الَّذِي نَعته قبل نعت السكر رُبمَا يخْتَار الالام على الملاذ لرؤية ثَوَاب أَو مطالعة عوض وَهُوَ متألم فِي الآلام ومتلذذ فِي الملاذ فَهُوَ نعت الصحو وَالسكر وأنشدونا لبَعض الْكِبَار ... كَفاك بِأَن الصحو أوجد أنني
فَكيف بِحَال السكر وَالسكر أَجْدَر 5 ... فحالاك لي حالان صحو وسكره
فَلَا زلت فِي حَالي أصحو وأسكر ...
مَعْنَاهُ أَن حَالَة التَّمْيِيز إِذا أسقط عني مَالِي وأوجد مَالك فَكيف يكون حَاله السكر وَهُوَ سُقُوط التميز عني وَيكون الله هُوَ الَّذِي يصرفني فِي وظائفي ويراعيني فِي أحوالي وَهَاتَانِ حالتان تجريان عَليّ وهما لله تَعَالَى لَا لي فَلَا زلت فِي هَاتين الْحَالَتَيْنِ ابدا