الْمُؤْمِنيِنَ! خرجت من عندك يومًا فِي سكك بغداد متطربًا حَتَّى انتهيت إِلَى موضع سماه, فشممت يا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ من جناح أبازير قدور قَدْ فاح طيبها, فتاقت نفسي إِلَيْهَا وإلى طيب ريحها, فوقفت عَلَى خياط , وقلت له: لمن هذه الدار؟ قَالَ: فُلان بْن فُلان. (فرميت بطرفي إِلَى الجناح, فَإِذَا فِي بعضه شباك, فنظرت إِلَى كف قَدْ خرجت من الشباك قابضة عَلَى عضد ومعصم, فشغلني يا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ حسن الكف والمعصم عَن رائحة القدور, وبقيت باهتا ساعة, ثُمَّ أدركني ذهني, فَقُلْتُ للخياط: هل) هُوَ مِمَّن يشرب النبيذ؟ قَالَ: نَعَم, وأحسب عنده اليوم دعوة, وليس ينادم إلا تجارًا مثله مستورين. فإني لكذلك إذ أقبل رجلان نبيلان راكبان من رأس الدرب, فَقَالَ الخياط: هؤلاء منادموه؛ فقلت: ما أسماؤهم ومت كناهما؟ فقال: فلان فلان؛ وأخبرني بكناهما. فحركت دابتي وداخلتهما, وقلت: جعلت فداكما! قَدِ استبطأكما أَبُو فُلان أعزه اللَّه؛ وسايرتهما حَتَّى أتينا إِلَى الباب , فأجلاني وقدماني, فدخلت ودخلا, فلما رآني معهما صاحب المنزل لَمْ يشك أني منهما بسبيل, أَوْ قادم قدمت عليهما من موضع, فرحب وأجلسني فِي أفضل المواضع, فجيء يا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ بالمائدة وعليها خبز نظيف, وأتينا بتلك الألوان, فكان طعمها أطيب من ريحها, (فَقُلْتُ فِي نفسي: هذه الألوان قَدْ أكلتها؛ وبقيت الكف, كَيْفَ أصل إِلَى صاحبها) ثُمَّ رفع الطعام, وجيء بالوضوء, ثُمَّ صرنا إِلَى منزل