من خطئها، كل ذلك بقدر قربه من حقائقها العميقة في نفسه، وأسرارها المتشعبة في حناياه، أو بعده عنها وانطماسها في نفسه، فيدخل عليه من هذا الباب مكر الماكر وخُبث المحتال.

واللغة مفتاح، يساعدنا على ولوج أي مجتمع من المجتمعات، للكشف عن أنواع سلوكه ونشاطه الثقافي والاجتماعي والأخلاقي والاقتصادي، وتحديد ملامح شخصيته في عصر من العصور.

والعلاقة بين اللغة والفكر، هي العلاقة بين الألفاظ والمعاني، وقدرة اللفظ على اختزان المعاني أو قُدرة الفكر على شَحْن الألفاظ بأكبر طاقة من المعاني.

والنظرة إلى المعنى تختلف باختلاف الدارسين من فروع الدراسات الإنسانية، كالأدب واللغة وأصول الفقة والفلسفة والمنطق وعلم النفس.

والنحاة العرب لم يتخلصوا من قبضة أرسطو السحرية ولا من نفوذ منطقه القياسي الذي صبغ دراستهم اللغوية كما صبغ علم الكلام.

فالعلل والأقيسة جهتان من جهات النفوذ الإغريقي على دراساتنا اللغوية فهذا ابن جني يقول: اعلم أن عِلل جُلّ النحويين وأعني بذلك حذاقهم المتقنين لا ألفافهم المستضعفين، أقرب إلى علل المتكلمين منها إلى علل المتفقهين. وإذا كان اهتمام الفلاسفة في معالجة المعنى هو بالعلاقات الذهنية، فإن اهتمام اللغويين في معالجته هو بالعلاقات العرفية. فالفيلسوف يهتم بكُنْه العلاقة، واللغوي يهتم بشكل العلاقة بين الرمز ومدلوله، ومعناه الوظيفي، ويربط بين المعنى والمقام، فاللغة صياغة تخضع لمقتضيات الرمز العرفي، فليس في الفكر ما يسمح بدلالة (فَعَلَ) على المستقبل (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) ولا بإفادة (على) معنى الشرط (عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015