, والترقي إلى العالم العقلي , ثم العالم الإلهي , مع العقول فوق العوالم كلها , حتى صارت في موضع البهاء والنور والسناء مجتلية الذي هو علة كل نور وبهاء , وسبب كل دواء وبقاء.

ومن العجب. أني كنت رأيت نفسي ممتلئة نوراً , وهي في البدن كهيئتها , والبدن معها , وهي خارجة عنه , على أني لما أطلت الفكرة , ومحضت الروية , وأجلت الرأي , وصرت كالمتحير المبهوت , تذكرت الفلنطوس , فإنه أمر بالطلب والبحث عن جوهر النفس الشريفة , والحرص على الصعود إلى ذلك العالم الشريف الأعلى. وقال: إنه من حرص على ذلك , وارتقى إلى العالم الأعلى , ولحق بالجواهر الإلهية , والأسباب الكلية , يجزي أحسن الجزاء اضطرارا. فلا ينبغي لأحد أن يفتر عن الطلب والحرص , والجد في الارتقاء إلى ذلك العالم , وإن تعب وكد ونصب , فإن أمامه الراحة التي لا تعب بعدها , في حياة دائمة , وعيشة راضية , ولذات باقية لا يتناهى أمدها , ولا يقطع مددها , مخلوقة للإنسان كلها , والإنسان مخلوق لها , أليس عجزا أن تمر ساعة من عمره في غير ما خلق له من ذلك؟ أليس من فرط في السعي لذلك ظالما لنفسه , ومهلكا ذاته , وفاعلا بجوهرته النفيسة ما لم يفعل به أعدى عدو له , فيندم حين لا ينفعه الندم) (?).

ثم علق عليه بقوله:

(وبيان هذه السعادة: من تعرض له , فقد تعاطى ما لا يستقل به نفس , ولا تطمع فيه قوة ... وسبيل السعادة عندهم الرياضة , وعلاج الأخلاق , حتى يصير شيبها بالخير المحض وهو المبدأ , وتلطيف السر , وأن يصرف عن النفس شواغل الجسم , ويترقى في معارج المحبة والشوق إلى ذلك الكمال بالفكرة , حتى تحس النفس بانجذابها إلى عالمها , وتفيض عليها عجائبه. وقد أخبر هؤلاء الإلهيون عن أنفسهم عن أنفسهم بما ذكرناه آنفا , من أنهم نزعوا جلابيب الجسمانية في هذا العالم , وترقوا إلى العالم العلوي , فأبصروا من نوره ولذاته أموراً مذهلة , ثم عادوا إلى عالم الحس , ورمزوا ذلك في كتبهم , حسبما نقل سقراط الدنان , ومعلم الخير أفلاطون وإمام المشائين أرسطو) (?).

وهذه العبارات منثورة مبعثرة في كتب القوم كثيرا , ناطقة عن كنههم وحقيقة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015