وقال عاصم الأحول:" مرَّ الأعمش بالقاسم بن عبد الرحمن فقال: هذا الشيخ أعلم الناس بقول عبد الله بن مسعود" (?).
وبلغ هذا التنعت مبلغه في مطلع القرن الثالث الهجري لما استقرت الروايات وعرفت الطرق المحفوظة، وبان ضعف كثير من الروايات التي يستدل بها بعض الفقهاء، ولاسيما في كتاب الترمذي الماتع (الجامع) الذي علل روايات كبار الفقهاء، فراح بعض هؤلاء المتعصبين يحطُّ من قدر المحدثين؛ ليصلح عور رواية ما أو يقوّم اعوجاج دليله في مسألة من المسائل، حتى قال قائلهم (?):
إنّ الرُواةَ على جَهْلٍ بما حَملوُا ... مثلُ الجِمَال عليها يُحْمَل الوَدَعُ
لا الوَدْعُ يَنفْعهُ حَمْلُ الجمالِ له ... ولا الجمالُ بِحَمْل الوَدْع تنتفعُ
فانتهض بعض أهل الفضل للدفاع عن أئمة الحديث، وعلى رأسهم أبو محمد الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد الرامهرمزي ت (360هـ)،فصنّف كتابه (المحدث الفاصل بين الراوي والواعي) وهو من أنفس الكتب التي صنفت في بابها، قال الذهبي:"وما أحسنه من كتاب! " (?).
وقد بين سبب تأليفه فقال في أوّل سطر منه بعد حمد الله تعالى:" اعترضت طائفة ممن يشنأ الحديث ويبغض أهله، فقالوا بتنقص أصحاب الحديث والإزراء بهم، وأسرفوا في ذمهم والتقول عليهم، وقد شرف الله الحديث وفضل أهله، وأعلى منزلته ...... وقد كان بعض شيوخ العلم ممن جلس مجلس الرياسة واستحقها لعلمه وفضله، لحقه بمدينة السلام من أهل الحديث جفاء، قلق عنده، وغمه ما شاهد من عقد المجالس ونصب المنابر لغيره، وتكاثف الناس في مجلس من لا يدانيه في علمه ومحله، فعرّض بأصحاب الحديث في كلام له، يفتتح به بعض ما صنف ... " (?).
وهكذا تعرف أنّ من أهم أسباب ظهور تواليف علم مصطلح الحديث هو الدفاع عن أهل الحديث، وصد هجمة أهل الأهواء والبدع.