وقد ترتب على عدم جواز العفو عن العقوبة أو إسقاطها اعتبار من وجب عليه حد مهلك مهدراً فيما وجب فيه الحد, فإن وجب الحد في نفسه أهدرت نفسه, وإن وجب في طرفه أهدر طرفه (?) .
534 - العفو في جرائم القصاص والدية: تجيز الشريعة للمجني عليه أو ولي دمه أن يعفو عن عقوبتي القصاص والدية (?) دون غيرهما من العقوبات المقررة لجرائم القصاص والدية، فليس له أن يعفو عن عقوبة الكفارة, ولا يؤثر عفوه على حق ولي الأمر في تعزير الجاني بعد العفو عنه.
وليس لولي الأمر أن يعفو في جرائم القصاص والدية عن العقوبات المقدرة كالقصاص والكفارة, ولكن له أن يعفو عن أية عقوبة تعزيرية يعاقب بها الجاني, وله أن يعفو عن كل عقوبة أو بعضها.
وحق المجني عليه أو وليه في العفو مقصور؛ كحق ولي الأمر على العفو عن العقوبة فقط, وليس لأيهما العفو عن الجريمة, فإذا عفا أحدهما عن الجريمة انصرف عفوه إلى العقوبة في الحدود التي بيناها, والعلة في منع العفو عن الجريمة أنه لو سمح للمجني عليه بالعفو عن الجريمة لما أمكن معاقبة الجاني, وفي هذا خطر شديد على الجماعة؛ لأن الجريمة تمس الجماعة وإن كانت أكثر مساساً بالمجني عليه, ولو سمح لولي الأمر بالعفو عن الجريمة لأمكن تعطيل حق المجني عليه في القصاص والدية.
والأصل في حق المجني عليه أو وليه في العفو الكتاب والسنة, أما الكتاب فقد أقر هذا الحق في سياق قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} حيث قال: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة: 178] , وفي سياق قوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} حيث