أن العقوبات الجنائية تخالف العقوبات التأديبية، وأن معظم الجرائم التأديبية لا تدخل تحت حكم القوانين الجنائية، ومن ثم فقد اقتضى تغاير العقوبتين والفعلين أن يحاكم الجاني على الفعل مرتين إذا كان فعله يعتبر جريمة تأديبية، ولا يمنع توقيع إحدى العقوبتين من توقيع الأخرى، كما لا تحول براءته في إحدى المحاكمتين من السير في المحاكمة الثانية، ويعللون ذلك بأن الدعوى التأديبية يقصد منها حماية المهنة أو الوظيفة، وأن الدعوى الجنائية يقصد منها حماية المجتمع.

ولا شك أن نظرية الشريعة أكثر تمشياً مع المنطق وانطباقاً على القواعد التشريعية الحديثة التي تمنع من محاكمة الشخص مرتين على فعل واحد، كما أنها تؤدي إلى اختصار الإجراءات، وتقليل المحاكمات، ولا تحول في الوقت نفسه من توقيع العقوبة أو العقوبات التي تتلاءم مع شخصية المتهم والجريمة المنسوبة إليه.

49 - الجريمة المدنية: عرف الفقهاء الإسلاميون موضوع الجريمة المدنية ولكنهم لم يطلقوا عليه هذه التسمية التي نستعملها نحن الآن متأثرون بالقانون الفرنسي.

والأصل في الشريعة أن الأموال والنفوس معصومة (?) ، وكل فعل ضار بالإنسان أو بماله مضمون على فاعله إذا لم يكن له حق فيه، والضمان إما عقوبة جنائية إذا كان الفعل ضار معاقباً عليه، وإما تعويض مالي إذا لم يكن الفعل الضار معاقباً عليه. وإذا كان الفعل معاقباً عليه فهو جريمة، أما إذا لم يكن معاقباً عليه فلا يعتبر جريمة، ولا يسمى بهذا الاسم، وإنما هو فعل ضار، وإذن فلا مناسبة تجمع بين الجريمة والفعل الضار إلا أن كليهما مضمون على فاعله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015