يخفضها، أو يستبدل بها غيرها، أو يوقف تنفيذها.
ولم تحرم الشريعة الخمر مرة واحدة، بل جاءت بالتحريم تدريجياً، لأن شرب الخمر كان متفشياًٍ في العرب، وكانت الخمر إحدى متعهم وسبيل لهوهم، فاقتضت حكمة التشريع التدرج في التحريم، وكان أول نص من نصوص التحريم قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43] ، فنهاهم الله عن الصلاة وهم سكارى، ولما كانت الصلاة فريضة لابد من أدائها فقد وجب عليهم أن لا يتناولوا الخمر بكميات تسكرهم ليستطيعوا أن يؤدوا فريضة الصلاة خمس مرات فيما بين الفجر والعشاء وهم غير سكارى، ولعل هذا كان داعياً لهم أن يتساءلوا عن حكم الخمر في ذاتها، وقد جاء النص الثاني من نصوص التحريم يرد على هذا التساؤل ويبين علة التحريم، وذلك قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا} [البقرة: 219] ، وبعد أن أصبحت النفوس مهيأة لترك الخمر نزل النص القاطع في التحريم وهو قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} [المائدة: 90، 91] .
وظاهر من نصوص الشريعة أنها عامة مرنة إلى آخر حدود العموم والمرونة، وهذه الميزة التي تتميز بها نصوص الشرعية هي التي جعلت هذه النصوص صالحة للتطبيق وقت نزول الشريعة، وحفظت لها هذه الصلاحية في عصرنا الحاضر أي بعد مضي ثلاثة عشر قرناً على تاريخ نزولها، وهذه الميزة هي التي ستحفظ لها هذه الصلاحية في مستقبل الأيام مهما امتد الزمن وطال. فإذا ما قلنا إن الشريعة لا تقبل التعديل والتبديل فذلك لأنها صيغت بحيث لا تحتاج إلى تعديل أو تبديل.
ولم تأت الشريعة بحريم الخمر مجاراة لحال الجماعة أو استجابة لرغباتها، فقد