وقد بينت الشريعة مهمة الحاكم بياناً شافياً وحددت حقوقه وواجباته تحديداً دقيقاً؛ فمهمة الحاكم في الشريعة أن يخلف رسول الله في حراسة الدين وسياسة الدنيا (?) ، ويسمى الحاكم في اصطلاح الفقهاء الإمام.
والإمامة أو الخلافة - كما يرى الفقهاء - عقد لا ينعقد إلا بالرضى والاختيار (?) ، وبموجب هذا العقد يلزم الإمام - أي الحاكم - أن يشرف على الشئون العامة للأمة في الداخل والخارج (?) بما يحقق مصلحتها، بشرط أن يكون ذلك كله في حدود ما أنزل الله على رسوله، وفي مقابل التزام الإمام للأمة بهذا الالتزام تلتزم له الأمة على لسان ممثليها الذين اختاروه إماماً أن تسمع له وتطيع أمره، ما لم يتغير حاله فيصبح فاسقاً أو يعجز عن مباشرة عمله (?) ، فإذا تغير حاله انعزل بفسقه أو عجزه.
فسلطة الإمام - أي الحاكم - في الشريعة ليست مطلقة، وليس له أن يفعل ما يشاء ويدع ما يشاء، وإنما هو فرد من الأمة اختير لقيادتها وعليه للأمة التزامات وله على الأمة حقوق، وله من السلطة ما يستطيع أن يؤدي به التزاماته ويستوفي به حقوقه، وهو في أداء واجباته واستيفاء حقوقه مقيد بأن لا يخرج على نصوص الشريعة أو روحها، وذلك طبقاً لقوله تعالى: {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللهُ} [المائدة: 49] ، وقوله: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} [الجاثية: 18] ، وقوله: {لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44] .
وإذا كان الإمام - أي الحاكم - مقيداً بأن يتبع الشريعة وأن يحكم طبقاً لنصوصها، فمعنى ذلك أن سلطته مقيدة بنصوص الشريعة، فما أباحته فقد امتد سلطانه إليه، وما حرمته عليه فلا سلطان له عليه. والشريعة لا تبيح للحاكم إلا ما تبيحه لكل فرد، ولا تحرم عليه إلا ما حرمته على كل فرد.