الغالبية أول الأمر متجهاً إلى عدم محاربة المرتدين ومسالمتهم، وكان رأي الأقلية وعلى رأسهم أبو بكر متجهاً إلى محاربة المرتدين وعدم التسامح معهم، وانتهت المناقشة بجنوح الكثيرين إلى رأي أبي بكر بعد اقتناعهم به، فلما وضع هذا الرأي موضع التنفيذ كان المخالفون في الرأي هم أول المنفذين له والمضحين في سبيل تنفيذه بأموالهم وأبنائهم وأنفسهم.
وهذه السنة المباركة التي تكمل مبدأ الشورى العام تعتبر في وقتنا الحاضر العلاج الناجع لفشل الديموقراطية. فمن المسلم به أن البلاد الديموقراطية فشلت فشلاً ذريعاً في تطبيق مبدأ الشورى، والسبب الأساسي في هذا الفشل أنهم يسمحون للأقلية أن تناقش الرأي الذي أقرته الأغلبية بعد انتهاء دور المناقشة، وأن تشكك في قيمته وصلاحيته أثناء تنفيذه، بل أنه يظل موضع الانتقاد والسخرية حتى بعد تمام تنفيذه.
ولما كانت القاعدة أن فريق الأغلبية هو الذي يتولى الحكم فإن آراء هذا الفريق وأعماله لا تقابل بما يجب لها من الاحترام، بل تكون دائماً محل تشكيك وسخرية ويطعن عليها بتفاهتها وعدم صلاحيتها، بل قد يحدث أن تمتنع الأقلية من تنفيذ القوانين التي تسنها الغالبية، وتظل الحال هكذا حتى يصبح الفريق الحاكم أقلية، فيترك الحكم ليتولاه فريق الأكثرية الذي تقابل آراؤه وأعماله بمثل ما قوبل به فريق الأكثرية السابق، وهكذا لا يتولى الحكم فريق إلا كانت آراؤه وأعماله محل النقد والتشكيك والسخرية. وقد يكون النقد سبيلاً من سبل الإصلاح إذا أبدى الناقد رأيه وقت المناقشة أو نقد آراء لم تناقش من قبل، أما نقد الآراء التي سبقت مناقشتها والتشكيك فيها بعد أن وضعت موضع التنفيذ فذلك هو الفساد بعينه، بل إنه ليتناقض مع الأساس الذي تقوم عليه الشورى؛ فأساس الشورى هو أن يحكم الشعب طبقاً لرأي الأغلبية، ومعنى ذلك أن أغلبية الشعب إذا أجمعت على رأي كان رأيها قانوناً أو حكماً تجب له الطاعة والاحترام.