وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125] ، فهذا النص تدل صياغته على أنه بلغ حد العموم والمرونة، أما المبدأ الذي جاء به النص فلم يُعرف بعدُ أن هناك ما هو خير منه، ولا يمكن أن يتصور العقل البشري أن هناك طريقاً لأصحاب الدعوات يسلكونها في نشر دعواتهم خيراً من طريق الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن.
ويستطيع القارئ أن يقرأ قوله تعالى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [فاطر: 18] ، وقوله: {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة: 286] ، وقوله: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ} [النحل:90] ، وقوله: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ} [النساء: 58] ، وقوله: {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8] ، وقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [النساء: 135] ، يستطيع القارئ أن يستعرض هذه النصوص وغيرها ليرى كيف بلغت من العموم والمرونة كل مبلغ، وليرى أن المبادئ التي جاءت بها هذه النصوص قد بلغت من السمو ما ليس بعده زيادة لمستزيد، أو خيال لمتخيل.
الوجه الثالث: أن الجماعة هي التي تصنع القانون، وتلونه بعاداتها وتقاليدها وتاريخها، والأصل في القانون أنه يوضع لتنظيم شئون الجماعة، ولا يوضع لتوجيه الجماعة، ومن ثم القانون متأخراً عن الجماعة وتابعاً لتطورها، وكان القانون من صنع الجماعة، ولم تكن الجماعة من صنع القانون.
وإذا كان هذا هو الأصل في القانون من يوم وجوده، فإن هذا الأصل قد تعدل في القرن الحالي، وعلى وجه التحديد بعد الحرب العظمى الأولى، حيث بدأت الدول التي تدعو لدعوات جديدة أو أنظمة جديدة تستخدم القانون لتوجيه الشعوب وجهات معينة، كما تستخدمه لتنفيذ أغراض معينة، وقد كان أسبق الدول