دولة، وإنما جاءت للناس كافة من عرب وعجم، شرقيين وغربيين، على اختلاف مشاربهم وتباين عاداتهم وتقاليدهم وتاريخهم، فهي شريعة كل أسرة، وشريعة كل قبيلة، وشريعة كل جماعة، وشريعة كل دولة، بل هي الشريعة العالية التي استطاع علماء القانون الوضعي أن يتخيلوها، ولكنهم لم يستطيعوا أن يوجدوها.

وقد جاءت الشريعة كاملة لا نقص فيها، جامعة تحكم كل حالة، مانعة لا تخرج عن حكمها حالة، شاملة لأمور الأفراد والجماعات والدول، فهي تنظم الأحوال الشخصية والمعاملات وكل ما يتعلق بالأفراد، وتنظم شئون الحكم والإدارة والسياسة وغير ذلك مما يتعلق بالجماعة، كما تنظم علاقات الدول بعضها بالبعض الآخر في الحرب والسلم.

ولم تأت الشريعة لوقت دون وقت، أو لعصر دون عصر، أو لزمن دون زمن، وإنما هي شريعة كل وقت، وشريعة كل عصر، وشريعة الزمن كله حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

وقد صيغت الشريعة بحيث لا يؤثر عليها مرور الزمن، ولا يبلي جِدَّتها، ولا يقتضي تغيير قواعدها العامة ونظرياتها الأساسية، فجاءت نصوصها من العموم والمرونة بحيث تحكم كل حالة جديدة ولو لم يكن في الإمكان توقعها، ومن ثم كانت نصوص الشريعة غير قابلة للتغيير والتبديل كما تتغير نصوص القوانين الوضعية وتتبدل.

وأساس الفرق بين الشريعة والقانون هو أن الشريعة من عند الله جل شأنه، وهو يقول: {لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ} [يونس: 64] ، وهو عالم الغيب القادر على أن يضع للناس نصوصاً تبقى صالحة على مر الزمان. أما القوانين فمن وضع البشر، وتوضع بقدر ما يسد حاجتهم الوقتية، وبقدر قصور البشر عن معرفة الغيب تأتي النصوص القانونية التي يضعونها قاصرة عن حكم ما لم يتوقعوه.

ولقد جاءت الشريعة من يوم نزولها بأحدث النظريات التي وصل إليها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015