وهو بهذا يرمي إلى تحقيق مصالح الناس على اختلاف الأزمان والبيئات لأنه تشريع للناس كلهم قال تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً} . فلو لم يكن محققا لمصالح الجميع لكان نقمة عليهم مع أنه جعله رحمة لهم قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} . وهو بحق يحقق العدل والمساواة بين الناس كلهم لأنه ينظر إلى الناس جميعا نظرة المساواة في الخضوع لأحكامه وفي المؤاخذة على مخالفتها لا فرق بين حاكم ومحكوم ولا بين غني وفقير ولا بين شريف ووضيع ولا بين أبيض وأسود. فلا يعفى شخص من المؤاخذة بماله من جاه وسلطان.
قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} . وقال جل شأنه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} .
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: " إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها".
وبالجملة فقد قصد الإسلام بتشريعه تحقيق المصالح للناس ودفع المفاسد عنهم وكانت تشريعاته كلها مبنيَّة على أن مصلحة الجماعة مقدَّمة على مصلحة الفرد إذا ما تعارضت المصلحتان وأن دفع الضرر العام مقدم على دفع الضرر الخاص ومن هنا نهى عن احتكار الطعام وأمر ببيعه للناس وقت الحاجة وإن لم يرض صاحبه _ كما حرَّم الربا وشدَّد النكير فيه مع ما يحققه من نفع لصاحب المال حماية للمجتمع من جشع المُرَابِين ورحمة بالمحتاجين الذين يضطرون إلى مد أيديهم طلبا للقرض من أولئك المُرَابِين.
وهذه نزعة جماعية تحمي الجماعة من طغيان الأفراد وتسلط أصحاب الحقوق.