قال: وسمعت أحمد بن صالح، يقول: إذا عرض الرجل على عالم ثم قال: حدثنا، لم أخطئه ولم أكذبه، وأحب إلي أن يقول قرأت على فلان ولا يقول: حدثنا.
حدثنا خلف بن قاسم، حدثنا الحسن بن رشيق، حدثنا أبو القاسم نصر بن الفتح مولى الحسن بن الحارث بن قطن المرادي، قال: حدثنا أبو الزنباع روح بن الفرج القطان، قال: سمعت يحيى بن عبد الله بن بكير، يقول: لما فرغنا من عرض الموطأ على مالك، قال له رجل من أهل المغرب: يا أبا عبد الله، هذا الذي قرئ عليك كيف نقول فيه، حدثنا أو حدثني أو أخبرنا أو أخبرني؟ فقال: ما شئت أن تقول من ذلك فقل.
وأخبرنا خلف بن قاسم، حدثنا الحسن بن رشيق، حدثنا عيسى بن علي، حدثنا الربيع، قال: كان الشافعي رحمه الله إذا حدث عن مالك فمرة يقول: حدثنا مالك، ومرة يقول: أخبرنا مالك، كأنه عنده سواء.
قال الربيع: وقد سمعت الشافعي، يقول: إذا قرأ عليك العالم فقل حدثنا، وإذا قرأت عليه فقل أخبرنا.
وذكر أبو يحيى زكريا بن يحيى الساجي، عن حسين الكرابيسي، قال: لما كانت قدمة الشافعي الثانية، يعني ببغداد، أتيته، فقلت له: أتأذن لي أقرأ عليك الكتب، فأبى وقال لي: قد كتب الزعفراني الكتب فانسخها، فقد أجزتها لك، فأخذتها إجازة.
قال أبو عمر: الآثار في هذا الباب كثيرة على نحو ما ذكرنا، فرأيت الاقتصار أولى من الإكثار.
واختلف العلماء في الإجازة، فأجازها قوم، وكرهها آخرون، وفيما ذكرنا في هذا الباب دليل على جوازها، إذا كان الشيء الذي أجيز معينًا أو معلومًا محفوظًا مضبوطًا، وكان الذي يتناوله عالمًا بطرق هذا الشأن، وإن لم يكن ذلك على ما وصفت لم يؤمن أن يحدث الذي أجيز له عن الشيخ بما ليس من حديثه، أو ينقص من إسناده الرجل والرجلين من أول إسناد الديوان، فقد رأيت قومًا وقعوا في مثل هذا، وما أظن الذين كرهوا الإجازة كرهوها إلا لهذا، والله أعلم.
وذكر ابن عبد الحكم، عن ابن وهب، وابن القاسم، عن مالك أنه سئل عن الرجل يقول له العالم: هذا كتابي فاحمله عني، وحدث بما فيه عني؟ قال: لا أرى هذا يجوز، ولا يعجبني، لأن هؤلاء إنما يريدون الحمل الكثير بالإقامة اليسيرة فلا يعجبني ذلك.