ومن أعظم العلوم التي توصل إلى ذلك "علم أصول الفقه"، فهو علم عظيم القدر، جليل النفع، إذ به يتوصل الإنسان إلى الفهم في الدين المحقق للخيرية في الدنيا والآخرة، وذلك كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين" (?).
فهذا العلم يضع الضوابط والقواعد والأصول التي يطبقها المجتهد على آيات الله عز وجل، وأحاديث رسوله - صلى الله عليه وسلم - لكي يعرف حكم الله تعالى في المسألة، فتحصيله شرط في المجتهد، ولا غنى لطالب العلوم الشرعية عنه.
فالأمر كما قال الجويني: "الوجه لكل متصد للإقلال بأعباء الشريعة أن يجعل الإحاطة بالأصول شوقه الآكد، وينص مسائل الفقه عليها نص من يحاول بإيرادها تهذيب الأصول، ولا ينزف زمام الذهن في وضع الوقائع - مع العلم بأنها لا تنحصر - مع الذهول عن الأصول".
وإذا كان الفقه هو التطبيق العملي لتلك القواعد والنظريات، فلابد إذن أن يتوافق العِلمان ويسيرا جنبًا إلى جنب، فعلم الأصول يمثل الجانب النظري وعلم الفقه يمثل الجانب التطبيقي والعملي لذلك التأصيل والتنظير.