وصورة من الحاضر مشابهة لتلك الصورة أن الإمام عبد العزيز بن باز، كان يُهاتف العلامة المحدِّث الألباني مرات عدَّة ليسأله عن صحة حديث ما ليفتي به أو ليستنبط منه حكمًا شرعيًّا.
ولأجل ذلك قال الخطابي في مقدمة كتابه معالم السنن: "ورأيت أهل العلم في زماننا قد حصلوا حزبين وانقسموا إلى فرقتين: أصحاب حديث وأثر، وأهل فقه ونظر، وكل واحدة منهما لا تتميز عن أختها في الحاجة، ولا تستغني عنها في درك ما تنحوه من البغية والإرادة؛ لأن الحديث بمنزلة الأساس الذي هو الأصل، والفقه بمنزلة البناء الذي هو له كالفرع، وكل بناء لم يوضع على قاعدة وأساس فهو منهار، وكل أساس خلا عن بناء وعمارة فهو قفر وخراب.
ووجدت هذين الفريقين على ما بينهم من التداني في المحلين والتقارب في المنزلتين، وعموم الحاجة من بعضهم إلى بعض، وشمول الفاقة اللازمة لكل منهم إلى صاحبه، إخوانًا متهاجرين، وعلى سبيل الحق بلزوم التناصر والتعاون غير متظاهرين" (?).
فَمدَّعو الانفصال بين العلمين قد ضلوا سواء السبيل، وفصلوا بين متلازمين لا يمكن لأحدهما أن ينفك عن الآخر بحال، ولقد اشتهر بعض العلماء بالبراعة في العلمين معًا، كأمثال أبي المظفر السمعاني، والخطيب البغدادي، بل إن واضع علم الأصول كان يلقَّب بناصر الحديث.