منه ريحا منتنة" 1 ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم- مبينا أن الفرد يقارن بخليله سيئا كان أم حسنا-: "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل" 2, والقرآن يوضح أن أصدقاء الشر أعداء لبعضهم يوم القيامة وأن أصدقاء الخير والتقوى سعداء حتى في الآخرة {الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ} (الزخرف 67) ويقول تعالى موضحا أثر رفقة السوء على الإنسان وندمه على ذلك {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً، يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولاً} (الفرقان 27- 29) وقد نبه علماء التربية في الإسلام أمثال ابن سينا والغزالي وغيرهما إلى أهمية هذه الناحية في التربية وأثر اختيار الأصدقاء على مستقبل الأطفال وتوجيههم إلى الخير والشر، فابن سينا يرى أن الطفل يتأثر برفيقه ويكتسب منه كثيرا من العادات لما ركب فيه من نزعة التقليد والمحاكاة فيقول: "وينبغي أن يكون مع الصبي صبية من أولاد الحلة حسنة آدابهم مرضية عاداتهم فإن الصبي عن الصبية ألقن وهو عنه آخذ وبه آنس" 3 أما الغزالي فيقول: "وقد قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} ومهما كان الأب يصونه عن نار الدنيا فَأنْ يصونه عن نار الآخرة أولى. وصيانته بأن يؤدبه ويهذبه، ويعلمه محاسن الأخلاق، ويحفظه من قرناء السوء، ولا يعوده التنعم ولا يحبب إليه الزينة وأسباب الرفاهية، فيضيع عمره في طلبها إذا كبر، فيهلك هلاك الأبد، بل ينبغي أن يراقبه من أول أمره فلا يستعمل في حضانته وإرضاعه إلا امرأة صالحة متدينة تأكل الحلال"4 ويقول: "ويمنع الطفل من لغو الكلام وفحشه ومن اللعن والشتم ومن مخالطة من يجري على لسانه شيء من ذلك فإن ذلك يسري لا محالة من قرناء السوء، وأصل تأديب الصبيان الحفظ من قرناء السوء"5.
ومن أهم الحاجات التربوية في هذه المرحلة غرس الإيمان بالله في نفس الطفل وتبسيط مبادئ العقيدة وتنشئته على الخوف من الله وإحساسه بأن الله مطلع عليه مراقب لأعماله وأن عليه أن يستعين بالله ويلجأ إليه ويدعوه ويطلب منه الهداية للخير، وعلى الوالد ألا يدع فرصة إلا واستفاد منها في ترسيخ المثل العليا واليقين في الله ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة فقد روى ابن عباس قوله: "كنت خلف النبي صلى الله عليه