وللأسف الشديد أن الفجوة في تتبع دراسة تطور التربية الإسلامية حتى العصورة الحديثة ما زالت قائمة، ولا توجد حتى الآن محاولة جادة في هذا الاتجاه. وليس من قبيل التواضع القول بأن ما يقدمه المؤلف في هذا الكتاب ليس إلا خطوة على الطريق أو هي جهد المقل إن صح هذا التعبير.
وعلى الرغم من وجود محاولات متزايدة للكتابة عن التربية الإسلامية في السنوات الأخيرة، فإن هذه المحاولات تقصر في الأغلب والأعم عن إشباع حاجات وتطلعات المهتمين بهذا النوع من الدراسات. وتبقى الكتابة عن التربية الإسلامية كالصخرة التي تتحدى ناطحها. وقد أردنا من هذه السطور أن نعرض لأهم المشكلات والصعوبات التي تكتنف الكتابة عن هذا الموضوع الحيوي الهام. ونحب أن نوضح منذ البداية أن ما نعنيه بالتربية الإسلامية هنا هو ليس مفهومها العام وإنما مفهومها الاصطلاحي الذي يخص المربين وأساتذة التربية والذي يتصل بالمفاهيم والأسس والمبادئ التي تحكم النظرية التربوية في الإسلام بأبعادها المختلفة. وسنحاول في السطور التالية أن نعرض لأهم هذه المشكلات المنهجية في الكتابة عن التربية الإسلامية.
أولا: أن الكتابة عن التربية الإسلامية تحتم على الباحث أو الكاتب الخوض في التراث، وهي عملية ليست سهلة وتكتنفها صعوبات كثيرة سنشير إلى بعضها فيما بعد. لكن مما يتصل بكلامنا هنا من هذه الصعوبات ما يتعلق بتناثر الكتابات عن التربية الإسلامية في التراث بصورة تحول دون الإلمام بشتاتها، وتحتاج هذه الكتابات إلى محاولات منسقة لحصرها وتصنيفها وتبويبها بحيث تقدم في صورة متكاملة يمكن للمربين والمشتغلين بالعلوم التربوية أن يستفيدوا منها. ومع أن هناك بعض الدراسات والمحاولات الجادة التي عملت في هذا السبيل فإنها تعتبر محاولات مرحلية لعبت دورها في تمهيد الطريق لدراسات أخرى تالية تستفيد منها وتضيف إليها.
إن إحدى الملاحظات التي يمكن أن تؤخذ على هذه الدراسات هو منهجها في البحث والتحليل الذي قد يفتقر أحيانا إلى النظرة الشمولية والاستقصائية والربط والتفسير والوصول إلى الاتجاهات أو المبادئ العامة. مثلا إحدى هذه