الطهطاوي. فإذا جاء عباس غضب عليه وأخرجه من إدارة مدرسة الألسن وعينه ناظرا لمدرسة ابتدائية تنشأ في الخرطوم. ويرضى عباس الأول عن "علي مبارك" ويقربه إليه في تنفيذ أمور كثيرة فإذا جاء سعيد باشا غضب على "علي مبارك" وأعاد الشيخ رفاعة الطهطاوي وقربه إليه.
وأراد سعيد باشا أن يتخلص من "علي مبارك" فأرسله مع الفرقة الحربية لمساعدة الدولة العثمانية في حربها مع روسيا. وهناك في تركيا في الأستانة والأناضول أقام فيها نحو سنتين لقي فيها عناء كثيرا احتمله في صبر وثبات واستطاع من خلال هذه المدة أن يتعلم اللغة التركية ويجيدها.
وبعد عودته إلى مصر من تركيا كانت حياته مزيجا من السعادة والشقاء يوظف أحيانا ويطرد أحيانا ويعمل أحيانا بالأعمال الحرة تاجرا مرة ومهندسا مدنيا تارة أخرى. ويصل به الملل والسخط أحيانا إلى التفكير في العودة إلى أهله في برنبال ليعمل عمل الفلاحين ويعيش معيشتهم وعلى الله العوض فيما تعلم.
ولكن الحظ لم يلبث أن ابتسم له، ويأتي إسماعيل باشا إلى الحكم ويسعى إلى إعادة الحياة العلمية ويتوسع فيها، واستقر الحال بعلي مبارك وكان هذا العهد أبرك عهوده، وأخصبها. وعمل "علي مبارك" أعمالا كثيرة تتصل بتخصصه في الهندسة المدنية والحربية. وعهد إليه بمشروعات هندسية عظيمة في تصميم الشوارع والترع والجسور والمساجد وبنائها. ولكن ذلك لم يكن سر عظمته وصحيفة خلوده وإنما كان ذلك في شيء لم يتعلمه ولم يتلقنه عن أستاذه هو إصلاحه للتعليم في مصر بالوسائل المختلفة وبناؤه في ذلك بناء ضخما يعد دعامة النهضة التعليمية في مصر. لقد أريد له أن يهندس المباني والمنشآت، فهندس هو طرق التربية والتعليم ووضع تصميماتها ووقف على تنفيذها في دقة وإحكام حتى عد من كبار المصلحين. "أحمد أمين: ص207".