الاختصارات في العلوم مخلة بالتعليم:
من الإشارات التربوية الهامة لدى ابن خلدون أيضا قوله بأن الاختصارات المؤلفة في العلوم تعتبر في نظره مخلة بالتعليم. وهي نظرة سليمة من ابن خلدون لما يترتب على هذه الاختصارات من إخلال بالعلم.
التعليم يكون بالمحاورة ولا الحفظ:
يؤكد ابن خلدون أن الطريقة الصحيحة في التعليم هي التي تهتم بالفهم والوعي والمناقشة لا الحفظ الأعمى عن ظهر قلب، ويشير إلى أن "ملكة العلم" إنما تحصل بالمحاورة والمناظرة والمفاوضة في مواضع العلم.
وهو يعيب طريقة الحفظ عن ظهر قلب ويعتبرها مسئولة عن تكوين أفراد ضيقي الأفق عقيمي التفكير لا يفقهون شيئا ذا بال في العلم. وهو يشير في ذلك إلى الطريقة التي اتبعت في المغرب، فيقول في المقدمة "ص398".
"وبقيت فاس وسائر أقطار المغرب خلوا من حس التعليم من لدن انقراض تعليم قرطبة والقيروان، ولم يتصل سند التعليم فيهم فعسر عليهم حصول الملكة والحذق في العلوم. وأيسر طرق هذه الملكة فتق اللسان بالمحاورة والمناظرة في المسائل العلمية فهو الذي يقرب من شأنها ويحصل مرامها. فتجد طالب العلم منهم بعد ذهاب الكثير من أعمارهم في ملازمة المجالس العلمية سكوتا ولا يفاوضون وعنايتهم بالحفظ أكثر من الحاجة فلا يحصلون على طائل من التصرف في العلم والتعليم، ثم بعد تحصيل من يرى منهم أنه قد حصل تجد ملكته قاصرة في علمه إن فاوض أو ناظر أو علم، وما آتاهم القصور إلا من قبيل "رداءة طريقة" التعليم وانقطاع سنده. وإلا فحفظهم أبلغ من حفظ سواهم لشدة عنايتهم به وظنهم أنه المقصود من الملكة العلمية وليس كذلك. ومما يشهد بذلك في المغرب أن المدة المعينة لسكنى طلبة العلم بالمدارس عندهم ست عشرة سنة وهي بتونس خمس سنين. وهذه المدة بالمدارس على المتعارف هي أقل ما