واكتساب معيشة وعلم وآداب وصحبة ماجد.
ويتفق علماء المسلمين على مشروعية شد الرحال من أجل طلب العلم شأنه في ذلك شأن زيارة الأرحام والسعي وراء الكسب لأن هذه الأشياء كما يقول أحمد بن حجر "ص45" وردت بها أوامر شرعية. وهكذا كانت الرحلة في طلب العلم ملحما متميزا لتربية الإسلامية منذ عصورها الأولى ... وكان طلاب العلم يتكبدون الصعاب في الارتحال والأسفار. ومع ذلك فإنهما كانوا يستهينون بكل صعب في سبيل طلب العلم من مناهلة ودراسته على أيدي المشاهير من رجاله. ويقول الزرنوجي "ص45" لا بد من تحمل التعب والمشقة في سفر التعلم. وقد قال الله تعالى على لسان موسى عليه السلام في سورة الكهف {لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} ، فسفر العلم لا يخلو من التعب لأن طلب العلم أمر عظيم وهو أفضل من الجهاد عند أكثر العلماء. والأجر على قدر التعب.
وقد أفرد ابن خلدون فصلا في أن الرحلة في طلب العلوم ولقاء المشيخة مزيد كمال في التعليم. وهو يشير إلى أن الرحلة لا بد منها في طلب العلم واكتساب الفوائد والكمال بلقاء المشايخ ومباشرة الرجال. ويفسر ذلك بأن الرحلة في طلب العلم تمكن الطالب من لقاء شيوخ كثيرين. ولكل شيخ من مشاهير الشيوخ في البلاد المختلفة طريقة خاصة في البحث والدراسة والتعليم. ولذا فإن مخالطة الطالب لهم واحدا بعد الآخر تفيده في معرفة طريق الدراسة التي يتبعها كل شيخ في تدريسه وما يتصل بها من التمييز بين المفاهيم والمصطلحات العلمية. وهكذا يحصل الطالب على ملكة علمية أقوى مما لو درس على يد شيخ واحد. ويقول ابن خلدون: "إن البشر يأخذون معارفهم وأخلاقهم وما يتحلون به من المذاهب والفضائل تارة عملا وتعليما وإلقاء وتارة محاكاة وتلقينا بالمباشرة، إلا أن حصول الملكات عن المباشرة والتلقين أشد استحكاما وأقوى رسوخا. فعلى قدر كثرة الشيوخ تكون تربية الملكات ورسوخها ... فالرحلة لا بد منها في طلب العلم لاكتساب الفوائد والكمال بلقاء المشايخ ومباشرة الرجال". ويجب أن يقصد طالب العلم جهابذة العلم والعلماء الراسخين فيه. وقال شاعرنا العربي:
لا تأخذ العلم إلا عن جهابذة ... بالعلم نحيا وبالأرواح نفديه