احتيج إلى الأقوات أكثر تكون الزراعة أفضل، وإن احتيج إلى المتجر لانقطاع الطرق تكون التجارة أفضل، وإن احتيج إلى الصنعة تكون أفضل، وهذا الخلاف في الأفضلية وإلّا فكلها فروض كفاية؛ كما في الاحياء، وجمع الجوامع، وغيرهما. وعبارة الغزالي: أما فرض الكفاية فكل علم لا يستغني عنه في قوام أمور الدنيا كالطب والحساب وأصول الصناعات والسياسة.

(المقدمة السادسة)

قال أبو عمر بن عبد البر في الكافي: من المكاسب المجمع على تحريمها؛ الربا ومهور البغايا والسحت والرشى وأخذ الأجرة على النياحة، وعلى الكهانة وادعاء الغيب، وأخبار السماء وعلى الزمر واللعب والباطل كله اهـ نقله القرطبي في التفسير.

(المقدمة السابعة)

إلى ما غلب في تجارة الناس اليوم أشار الشهاب البربير كما في الشرح الجلي له:

أرى التجار سكارى ... من سكرهم ما أفاقوا

وليلنا اسودّ منهم ... واحمرت الآفاق

فالخسر عدوه ربحا ... غدا إليه يساقوا

للصدق فيه كساد ... وللنفاق نفاق

وقال أيضا:

أبناء دهري طلقوا الأخ ... رى وما ندموا عليها

إذا رأوا تجارة أو ... لهوا انفضوا إليها

وقال أيضا:

باتاجرا لازال يرجو ... ربحا ويخسر الخسارة

عبادة الله كل حين ... خير من اللهو والتجارة

فاعبده ما دمت واخش نارا ... وقودها الناس والحجارة

قال الشهاب البربير: ما أشعرت به آية وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها. من ذمّ التجارة محمول على تجارة تشغل عن أمور الدين، وتصرفه عن أمور الآخرة، وتحمله على الاقبال والانهماك على الدنيا، كما يشير إلى ذلك قوله تعالى: انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً [الجمعة: 11] وأما إذا خلت عن ذلك فهي ممدوحة وذمها عارض، وعلى ما ذكرنا يحمل حديث البخاري: «هم الفجار» كما حمل حديث: «إذا زرعت هذه الأمة نزع منها النصر» وحديث: «الذل في اذناب البقر» المشعرين بذم الزراعة، على زراعة تحمل الناس بالاشتغال بها على ترك الغزو بالكلية، لأنها إذا فعلت ذلك هجم العدو عليها في أوطانها، وهي على غير أهبة فينالها بذلك الذل، وتحرم النصر على العدو. وأما إذا جمعت بين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015