العبادة منها لا يزيد على جزءين وبقية الأجزاء الستة أحكام المعاملات الدنيوية. بل قال بعض الكتاب: إنّ في القرآن الكريم من آيات العلوم الكونية ما يزيد على سبعمائة وخمسين آية، أما علم الفقه فلا تزيد آياته، الصريحة عن مائة وخمسين آية اهـ. وفي حديث أخرجه ابن عساكر عن أنس قال الحافظ السيوطي في الحاوي: صحيح من وجوه:
«ليس خيركم من ترك دنياه لآخرته ولا آخرته لدنياه حتى يصيب منهما جميعا فإن الدنيا بلاغ الآخرة ولا تكونوا كلّا على الناس» .
وقد أخرجه ابن عساكر عن عمر بن قيس قال: كان عبد الله بن الزبير إذا نظرت إليه في أمر دنياه قلت: هذا رجل لم يرد الله طرفة عين، وإذا نظرت في أمر آخرته قلت: هذا رجل لم يرد الدنيا طرفة عين أنظر ترجمة ابن الزبير في تاريخ الخلفاء [للسيوطي] .
وفي حديث أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من رزق الدنيا على الإخلاص لله وحده وعبادته لا شريك له، وأقام الصلاة وآتى الزكاة مات والله عنه راض» أخرجه «ابن عبد البر في جامع العلم.
وقال ابن عمر: لو كان عندي أحد ذهبا أعلم عدده وأخرج زكاته ما كرهت ذلك وما خشيت [أن] يضرني. وقال سعيد بن المسيب: لا خير فيمن لا يجمع المال فيقضي دينه ويصل رحمه ويكف به وجهه.
وأخرج الديلمي عن جابر رفعه: «نعم العون على تقوى الله المال» . وقال عمر بن الخطاب: من أراد أن يسأل عن المال فليأتنا فإن الله جعلني خزانا. وقال صلى الله عليه وسلم لسيدنا سعد [ابن أبي وقاص] كما في الصحيح لما أراد أن يتصدق بأكثر ماله: «إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تتركهم عالة يتكففون الناس» (?) .
وقال لكعب بن مالك حيث استشاره في الخروج عن ماله كله: «أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك» (?) . وقال قيس بن عاصم [المنقري التميمي] حين حضرته الوفاة لبنيه:
يا بني عليكم بالمال واصطناعه فإنه منبهة للكريم، ويستغنى به عن اللئيم. وللصحابي الجليل سيدنا النمر بن تولب العكلي في الحث على الكسب ومدح المال والزجر عن القعود عن التكسب وذم الفقر:
خاطر بنفسك كي تصيب رغيبة ... إن القعود مع النساء قبيح
فالمال فيه عزة ومهابة ... والفقر فيه مذلة وفضوح
أنشدهما له الحافظ ابن عبد البر في كتابه بهجة المجالس.