سالكاتٌ سبيل قفرة بدي ربما ظاعن بها ومقيم
فـ"ما" بمنزلة "إنسان"، ووقعت على من يعقل لأن الموضع موضع عموم، وظاعن: خبر ابتداء مضمر، ومقيم: معطوف عليه، والجملة في موضع صفة، كأنه قال: رب إنسان هو ظاعن بقلبه إلى أحبته الذين ظعنوا عن هذه البلدة مقيم بجسده فيها. ولا تكون "ما" كافة لأمرين: أحدهما أن "رب" التي تلحقها "ما" الزائدة لا تدخل على الجمل الاسمية. والآخر عود الضمير عليها، ولو كانت "ما" حرفًا لم يعد عليها ضمير.
ومن ذلك قول أبي داود:
ربما الجامل المؤبل فيهم وعناجيج بينهم المهار
فـ"ما" بمعنى شيء، كأنه قال: رب شيء هو الجامل، والجملة في موضع صفة. والدليل على أن "ما" اسم عودة الضمير عليها أيضًا.
وقد يمكن أن يكون من ذلك قوله تعالى {هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ}، فتكون "ما" نكرة بمنزلة "شيء"، وعتيد: صفة له، كأنه قال: هذا شيء لدي عتيد.
وفي البسيط: أنكر بعض النحويين أن تكونا موصوفتين، واستدل بأنهما لا تستقلان بأنفسهما، وما هو كذلك فلا يكون اسمًا تامًا. وهذا مردود، فإن من الصفات ما يلزم الموصوف، نحو "الجماء الغفير" و"يا أيها الرجل"، و"من" و"ما" من هذا القبيل. ولا تستقل بوصفها إلا إذا كانت