وكان الأستاذ أبو علي لا يرتضي هذا المذهب لكون س إذا ذكر "مما" إنما يريد التكثير، فلا يحسن إذ ذاك استعمال رب إذ كان معناها يناقض المراد.
واحتج الذاهبون إلى ذلك بأنه قد سمع ذلك منهم، قال:/
وإنا لمما نضرب الكبش ضربة ... على وجهه، تلقي اللسان من الفم
قالوا: المعنى: لربما.
وخرج الأستاذ أبو علي وأصحابه ذلك على أن "ما" مصدرية، و"من" لابتداء الغاية، وكأنهم خلقوا من الضرب لكثرة ما يقع منهم، كما قال تعالى: (خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ)، جعل كأنه مخلوق من العجل لكثرة وقوع العجل منهم.
فأما قول الشاعر:
نصحت أبا زيد، فأدى نصيحة ... إلي، ومما أن تغر النصائح
وقول الآخر:
ألا غنيا بالقادسية، إننا ... على النأي مما أن ألم بها ذكرا
فلا يمكن أن تكون ما مصدرية لأجل أن، قالوا: فمعناها ربما.
وتأوله من منع ذلك على أن ما نكرة موصوفة بالمنسبك من أن وما بعدها، وهو مصدر، كأنه قال: إننا على النأي من شيء إلمام بها ذكره، فجعلهم من إلمامهم ذكراً لكثرة إلمامهم. وكذلك النصيحة للإنسان تشق عليه، فكأن النصح مخلوق مما يشق على الإنسان.