تكون إلا لابتداء الغاية؛ وأن سائر المعاني التي ذكروها راجع إلى هذا المعنى؛ ألا ترى أنك إذا قلت: أكلت من الرغيف، إنما أوقعت الأكل على جزء، فانفصل ذلك الجزء من الجملة، فآل معنى الكلام إلى ابتداء الغاية.
وذهب الفارسي والجمهور إلى أن من تكون للتبعيض. قال ابن عصفور: "وهو الصحيح/ بدليل أنك لو جعلت مكانها بعضاً لكان المعنى واحداً؛ ألا ترى أنه لا فرق بين قولك: أخذت من ماله، وأخذت بعض ماله، وقبضت من الدراهم، وقبضت بعض الدراهم، ولو وضعتها موضع من التي لابتداء الغاية في نحو: سرت من الكوفة - لم يسغ أن تقول: سرت بعض الكوفة" انتهى.
وما ذهب إليه ابن عصفور من أنه لا فرق بين من التبعيضية وبعض رده بعض شيوخنا، فقال: "يتعلق الأكل بالرغيف على وجهين: أحدهما أنه عمه. والثاني أنه خصه، ولم يقع بجملته، فلحقت من لبيان ذلك. وإذا فهمت هذا فهمت الفرق بين من وبعض، فإنك إذا قلت: أكلت بعض الرغيف - فليس الرغيف متعلق الأكل، وإنما متعلقه البعض، وسيق الرغيف لتخصيص ذلك البعض وزوال شياعه.
وإذا قلت: أكلت من الرغيف - فـ"من" دلت على أن الأكل وقع بالرغيف على جهة التبعيض، والرغيف متعلق الأكل، ودلت من على أنه لم يعمه". قال: "وقد صعب هذا على بعض الطلبة، فأراد أن يسوي بين من وبعض، وفيما ذكرته فرق لمن تدبره" انتهى.
ومن قال لا فرق جعلهما مترادفين، ويمتنع الترادف بين مختلفي الحد.