وأمَّا الكوفيون فتأوَّلوا السماع على أنه على إضمارِ فعلٍ يفسِّره المثال، فتقول في نحو: أنتَ غَيُوظٌ ما علمتُ أكبادَ الرجالِ، أي: تقديره: تَغيظُ أَكبادَ الرجالِ، وكذلك في الباقي. قالوا: وهذه الأمثلة خارجة عن بناء الفعل وجارية مجرى الأسماء التى يُمدَح بها ويُذَمّ، ولذلك لا يجوز تقديم المنصوب بعد هذه الأمثلة؛ لأنَّ الفعل إنما أُضمر في هذا الباب لدلالة الاسم المنصوب لم يكن له ما يدلُّ على الفعل.
وما ذهبوا إليه فاسد لكثرة ورود السماع به، فالأصل أن يكون معمولاً لهذه الأمثلة؛ لأنَّ الإضمار على خلاف الأصل؛ ولأنَّ تقديم هذا المفعول على المثال مسموع، وقد تقدَّمت شواهد على ذلك.
ولَّما كانت هذه الأمثلة موضوعة للتكثير فلا يقال: هذا قَتَّالٌ زيدًا، ولا من الموت موَّات، ويقال: هذا قّتَّالٌ الناسَ، فأمَّا قول حُميد بن ثَور:
مُحَلاًةُ طَوقٍ لَم يَكُنْ عن ... تَميمةٍ ... ولا ضَرْبِ صَوَّاغٍ بِكَفَّيهِ ... دِرْهَمَا
فأعلموا صَوَّاغا في درهم، وهو واحد ـــــ فالمراد هنا: درهًما فما فوقه، كما تقول: ما رأيتُ نافِخَ ضَرَمةٍ كزيد واحدًا فما فوقه. وهذا العموم يكون مع النفي كما كان في البيت حيث قال: ولا ضَرْبِ صَوَّاغٍ.
وأحكام هذه الأمثلة أحكام اسم الفاعل، إلا أنّ ما كان منها بغير أل في جواز إعماله خلاف: ذهب أبو بكر بن طاهر وتلميذه ابن خروف إلى جواز إعماله ماضيًا، وذلك لِما فيه من المبالغة وللسماع الوارد بذلك، قال: