فمنهم من أوجب الثبوت؛ لأنَّ التعجب تأثُّر عن مؤثر، ولابُدَّ من وجوده، وإلا وُجد المعلول دون علته، ومؤثَّرُه الصفة المشاهدة، ولأنه يدخله معنى المدح والذمّ، ولا يكون إلا من ثابت، ولأنَّ معنى الكلام الإخبار بحصوله، فلا يخرج عنه لكونه كذِبًا ولملازمته الماضي، وهو يدلُّ على الثبوت.

وذهب بعضهم إلى جواز ذلك محتجَّا بقولهم: ما أَحْسَنَ ما تكون هذه الجارية! وما أَحْسَنَ ما يكون زيد! وما أطولَ ما يكون هذا /الزرع! ونحوه، مع أنه ليس بموجود.

وأجاب الأوَّلون عن ذلك بأنه ربما يقال ذلك فيما لا بُدَّ من كونه، وأنه لا بُدَّ أن ينتهى إليه وجوبًا أو عادةً، كقوله تعالى (اسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا}، وقال {فما أصبرهم على النار)، أو على حذف، أي: على عملِ أهل النار، أي: ما أجرأهم عليه. وكذلك قولهم: ما أكثرَ قيامَه في ساعة كذا وكذا! على أنه مما يفعل ذلك حتى كأنه واقع. وكذلك: ما أحسنَك إذا تزَّيْت! إن كان من عادته جاز، وإلا لم يجز. وإنما جاز في هذا لأنه لمَّا كان يبلغه صار كأنه حاضر وواقع.

قال: والذي يقال إنه لا خلاف في أنَّ السبب لتأثُّر النفس لا بُدَّ أن يكون موجودًا أو مقدَّرًا، والنفس تتأثَّر للتقدير، كما تقول: عجبتُ مِن ضَربك غدًا، وإنما النظر في فعل التعجب نفسه، هل يلزم فيه المضيّ معنًى كما لزم لفظًا أو لا؟ فمَن قال لا يلزم كان على ضربين: منه ما يكون ماضيًا لفظًا ومعنًى، إمَّا متصل الآن أو منقطع الاتصال بكان، ومنه ما يكون ليس ماضيًا معنًى، نحو: ما أَحْسِنَ زيدًا غدًا! أي: شيء يُحسِنُ زيدًا غدًا، أتى بلفظ الماضي ليجعله كأنه قد وقع، سواء أكان مما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015