نحو قولك: كم رجلٍ قائمُ، وكم رجلٍ ذهب، وكم رجالٍ قاموا، وكم رجالٍ ذاهبون، ويقبح أن يكون خبرها اسمًا معرفة، نحو قولك: كم رجالٍ قومُك.
وكم غلمانٍ غلمانُك، تريد قومًا معهودين أو غلمانًا معهودين. فإن لم تُرد ذلك، بل أردتَ أن تقول: كم رجالٍ هم قومُك، وكم غلمانٍ هم غلمانُك ــ جاز ذلك. وكذلك أيضًا لا يحس أن يُخَبر عنها بالظرف ولا بالمجرور؛ لأن في ذلك ضربًا من التخصيص؛ ألا ترى أنَّ قولك «كم غلمانٍ لك» معناه ومعني قولك «كم غلمانٍ غلمانُك» سواُء، فضعُف لذلك.
ومما يبين لك أنَّ الأحسن في خبرها أن يكون مبهمًا أنه لا يجوز الإخبار عنها بالموقت، لوقلت: كم رجلٍ عشرون، وكم امرأةٍ ثلاثون ـــ لم يَسغ ذلك؛ لأنَّ الإخبار عنها بالموقت ينافي ما وُضعت له الإبهام.
وإذا قلت: كم رجلٍ جاءني، فكم مبتدأ، وجاءني خبره. ونقل العكبري عن العبدي أنه أجاز أن يكون «أتاني» صفة لرجل، ويُحذف الخبر، ويُقَدَّر /بما يليق بالمعنى، قال ــ يعني العبدي ـ: «ويجوز ألا تحتاج إلي خبر؛ لأنَّ الصفة قد أغنت عنه، وهذا كقولهم: أقل رجلٍ يقول ذلك إلا زيد، فأقلُّ مبتدأ، ويقول صفة رجل، وأغنت الصفة عن الخبر» انتهى. ويظهر الفرق بينهما؛ لأنه لمدَّع أن يقول هو الخبر. ولئن سلمنا أنه صفة فإنما أغنت عن الخبر لأنَّ المعنى: قلَّ رجلُ يقول ذلك،
بخلاف: كم رجلٍ جاءني، فلمَّا كان في معنى ما لا يحتاج إلى خبر أغنت الصفة عنه.
وقال بعض أصحابنا: وجاز الابتداء بها ــ يعني الخبرية ــ لأنها ــ وإن كانت نكرة ــ محمولُة على الاستفهامية في مواضع، ولأنَّ تمييزها يبينها، فتصير مخصوصةً من جهة المعنى.