وقال ابن عصفور أيضا: «من هذه مؤكده لمعني التبعيض، وذلك أنك إذا قلت: عندي راقود خلا، ولي مقله رجلا، وعندي ذراع ثوبا، فمثله والذراع والراقود بعض هذه الاجناس المنتصب علي التمييز، فإذا أتيت بـ (من) كانت مؤكدة لمعني التبعيض المفعوم قبل الإتيان به، كما أن (من) في قولك ما جاءني من أحد مؤكده لمعني التبعيض الذي كان يعطيه الكلام قب دخول من، ألا تري أن المراد بقولك «ما جاءني أحد» نفي مجيء كل أحد من الناس منفرجا أو مع غيره، وبذلك حصل في هذا الكلام معني النفي العام، إذ لو كان المراد نفي مجيء الناس كلهم لم يلزم من ذلك نفي مجيء بعضهم، وإذا كان المعني علي ما ذكرناه فالموضع موضع تبعيض، لأن كل واحد من الناس بعض الناس، فأتي بـ (من) لتأكيد ما في الكلام من معني التبعيض».
وقوله إن لم يفسر عددا أي: فلا تدخل عليه من، نحو: أحد عشر درهما، وعشرين رجلا، فلا يجوز: من درهم، ولا: من رجل. ويعني بذلك إذا بقي علي إفراده، فإن جمعته لزمته من والتعريف، فتقول: قبضت أحد عشر من الدراهم، ورأيت عشرين من الرجال.
وإنما لم تدخل من علي تمييز الأعداد وهو مفرد لأن التمييز إذ ذاك لا يحتمل معنيين قبل دخول من، فيكون دخولهما مبينا أن المراد أحد المعنيين، كما كان ذلك في المقادير وفي كم، فإذا أدخلت من علي ما يبين الأعداد رددت الكلام إلى الأصل، فجمعت المبين، وعرفته بأل، ولم يكن إذ ذاك تمييزا لأنه معرفه، والتمييز لا يكون معرفه، فالذي بقي علي إفراده إذا دخلت عليه من في هذا الباب هو تمييز كم، وكل تمييز يجوز فيه أن ينتصب علي الحال، نحو: لي مثله فارسا، ولله دره عالما، وويحه راكبا، وعندي راقود خلا، وما أشبه ذلك.