ثم قال المصنف: "وأظهر من هذا قوله في خامس أبواب الاستثناء: (حدثنا أن بعض العرب الموثوق بعربتيه يقول: ما مرت بأحد إلا زيداً). ثم قال س: (فعلي هذا: ما رأيت أحداً إلا زيداً، فتنصب زيداً علي غير رأيت، وذلك أنك لم تجعل الآخر بدلاً من الأول، ولكنك جعلته منقطعاً مما عمل في الأول، فيعمل ما قبله كما عمل العشرون في الدرهم)، فصرح بأن نصب زيداً في المثال المذكور علي لغة من لا يبدل، إنما هو بغير رأيت فتعين نصبه بإلا، فلم يكتف بذلك التصريح حني قال (ولكنك جعلته منقطعاً مما عمل في الأول)، فهذان تصريحان لا يتطرق إليهما احتمال غير ما قلناه إلا بمكابرة وعناد" انتهي ما ذكره في هذا النص.
وكلام س عليه لا له؛ لأنه إذا انتصب في الاستثناء لا يدعي س أنه منصوب بالفعل/ [4: 37/ أ] الناصب لأحد في قوله: ما رأيت أحداً، وإنما هو منصوب بالجملة نفسها لا بجزئها الذي هو الفعل، بخلاف جعله بدلاً، فإنه منصوب بالفعل وحده، إما نفس رأيت الناصب لأحد، وإما بتكرره علي الخلاف في العامل في البدل، وسيأتي. وقول المصنف "فتعين نصبه بإلا" لا يتعين من انتفاء نصبه بالفعل وحده أن يكون الناصب إلا، بل الجملة بأسرها. وقول س "ولكنك جعلته منقطعاً مما عمل في الأول" أي: لم يسلط عليه الفعل فينصبه أحداً. ثم قال"وعمل فيه ما قبله" أي: الجملة بكمالها، فهو منتصب عن تمامها لا عن جزئها، ولم يختلف كلام س في أن الناصب له ما قبله.
وقول المصنف "هذان تصريحان" إلي آخره، نعم، هما تصريحان يشهدان بخلاف دعواه، وهو المكابر المعاند.