وأما ما تقدم من قولهم أقل رجلٍ يقول ذلك إلا زيد، وقل رجلٌ يقول ذلك إلا زيد - وإن كانا موجبين صورة - فمعناها النفي، والبدل على المعنى لا على "أقل رجلٍ" وعلى رجل من "قل رجلٌ"؛ لأن المعنى: ما رجلٌ يقول ذلك. ويجوز النصب على الاستثناء.
ودلً كلام المصنف على أن ما قبل إلا يتسلط على ما بعدها، كحاله لو لم تكن إلا، بشرط نهي أن نفي صريح أو مؤول، فدل ذلك على أن الموجب المحض لا يكون فيه ذلك، لا تقول: قام إلا زيدٌ، ولا: ضربت إلا زيدًا ولا: مررت إلا بزيدٍ. قال المصنف وغيره: "لأنه يلزم منه الكذب"، قال: "ألا ترى أن حقيقة قولك رأيت إلا زيدًا: عم نظري الناس إلا زيدًا، وذلك غير جائز. فلو كان في الإيجاب معنى النفي عومل معاملته، نحو: عدمت إلا زيدًا، وصمت إلا يوم الجمعة، فإنهما بمعنى: لم أجد، ولم أُفطر" / [4: 33/ أ] انتهى.
وهذا الذي ذكره سائغ تقديره في كل موجب؛ إذ ما من فعل موجب إلا ويمكن نفي نقيضه، فيقدر قوله {ويَابَى اللَّهُ إلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ}: لا يريد الله إلا أن يُتم نوره، وتقدير قام إلا زيدٌ: لم يفعل إلا زيدٌ، أو: لم يجلس إلا زيدٌ. والذي يمكن ن يذهب إليه أن الفعل الموجب إذا أمكن تعلقه بعام محذوف جاز أن يُفرغ لما بعد إلا؛ فيعمل فيه، ما لم يكن ذلك العام مرفوعًا بالفعل، نحو: برئت إلا من ذمامك، التقدير: برئت من ذمام كل أحدٍ إلا من ذمامك، وقد جاء نحو من ذلك في أشعار المولدين، وينبغي ألا يُقدم على تجويز ذلك إلا بسماع من العرب.