وهذا الذي أجيب به في هذه الآية مجاب به في قوله {لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ}؛ لأن نفي كونه من الساجدين أبلغ من نفي السجود؛ إذ نفي الكون يقتضي نفي الأهلية, ففرق بين قولك: ما كان زيد من الصالحين, وبين قولك: ما زيد صالح؛ لأن في الأول نفي الكون, وهو مشعر بنفي الأهلية, وفي الثاني نفي الصلاح فقط.
قال بعض أصحابنا: "ويبطل مذهب الكسائي بالاستثناء المنقطع؛ لأن إلا أخرجت الثاني من حكم الأول ضرورة, ولولا ذلك لم يكن في الاستثناء فائدة, ولم يخرج الاسم من الاسم؛ إذ لم يندرج تحته أصلًا, وإذا ثبت ذلك في الاستثناء المنقطع كان ذلك في المتصل؛ لأن معنى إلا في الحالين واحد, وهو الاستثناء.
ويبطل أيضًا بقولك: لا إله إلا الله؛ إذ هذا اللفظ مثبت الأهلية لله وحده فقط بإجماع الأمة, ولو كان ما بعد إلا مسكوتًا عنه لم يكن المتلفظ بذلك مقرًا لله بالإلهية, ولا مثبتًا للربوبية, بل ساكت عن ذلك.
ويدل أيضًا على ذلك أن الذي يتبادر إلى الفهم في قولك "لا في إلا علي, ولا سيف إلا ذو الفقار" هو الثناء على علي وعلى ذي الفقار؛ ولو كان ما بعد إلا مسكوتًا عنه لما تبادر ذلك إلى الفهم" انتهى ملخصًا.
والذي يقطع ببطلان مذهب الكسائي أنه لا يوجد من كلام العرب: قام القوم إلا زيدًا فإنه قام؛ إذ لو كان يحتمل ما بعد إلا القيام ونفي القيام لجاز أن يرد ذلك من كلامهم كما زعم أنه وجد: قام القوم إلا زيدًا فإنه لم يقم.