أصل في الأسماء فرع في الأفعال أن الأسماء كلها معربة إلا ما أشبه منها مبنياً، والأفعال كلها مبنية إلا ما أشبه منها المعرب، فارتباط الإعراب في الفعل بشبهه بالمعرب دليل على أنه إنما دخله الإعراب من جهة الشبه لا من جهة أنه فعل؛ إذ لو كان الإعراب فيه من جهة أنه فعل لوجب أن يدخل الإعراب جميع الأفعال كلها، وارتباط البناء في الاسم بوجوده مشبهاً لمبني دليل على أن البناء فيه إنما دخله بالشبه للمبني، ولذلك إذا لم يشبه مبنياً على أصله من الإعراب.
واحتج أهل الكوفة بأن العلة التي ادعاها البصريون موجبة لكون الإعراب أصلاً في الأسماء، وهو كونه يفتقر إليه في الأسماء في بعض المواضع، هي بعينها موجودة في الأفعال في بعض المواضع، تقول: لا تأكل السمك وتشرب اللبن، فبالجزم نهي عن الفعلين مجتمعين ومفترقين، وبالنصب نهي عن الجمع بينهما، وبالرفع نهي عن الأول وإباحة للثاني. وكذلك لام الأمر ولام كي، و "لا" في النهي و "لا" في النفي، لولا الإعراب لالتبست المعاني.
وأجاب البصريون عن ذلك بأن النصب في مسألة "لا تأكل السمك وتشرب اللبن" بإضمار "أن" في المذهب الصحيح، والجزم على إرادة "لا" والرفع على المقطع، فلو أظهرت العوامل المضمرة لكانت دالة على المعاني، ولم يحتج إلى الإعراب، فالإعراب في هذا الباب إنما دل على المعاني لما حذفت العوامل/، وجعلت دليلاً عليها، وذاك فرع، والأصل ما ذكرنا من إظهار العوامل. وليس كذلك: ما أحسن زيداً! لأن الرافع والناصب والخافض لـ "زيد" على كل حال لفظ "أحسن" وأما لام الأمر ولام كي فالفرق بينهما أن لام الأمر تكون ابتداء، ولام كي لابد أن يتقدمها عامل.