كتاب عظيم يسد ما بين المشرق والمغرب فيه جميع أعمال الخلائق فما صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحداً، وذلك أن أعمال الخلائق تعرض على الله في كل يوم فيأمر الكرام البررة أن ينسخوها في ذلك الكتاب العظيم وهو قوله تعالى {إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون} ثم ينادي بهم فرداً فرداً فيحاسب كل واحد منهم، فإذا الأقدام تشهد واليدان.
وهو قوله تعالى {يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون} وقد جاء في الخبر أن رجلاً منهم يوقف بين يدي الله تبارك وتعالى فيقول له: يا عبد السوء كنت مجرماً عاصياً، فيقول: ما فعلت؟ فيقال له: عليك بينة فيؤتى بحفظته فيقول كذبوا علي فتشهد جوارحه عليه فيؤمر به إلى النار، فيجعل يلوم جوارحه، فتقول له: ليس عن اختيارنا {أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء} وقد تقدم هذا المعنى مستوفى، وتقدم أن الأرض والأيام والليالي والمال ممن تشهد، وإذا قال الكافر لا أجيز على نفسي إلا شاهداً مني ختم علي فيه فتشهد أركانه كما تقدم.
ابن المبارك، أخبرنا رجل من الأنصار، عن المنهال بن عمرو، حدثنا أنه سمع سعيد بن المسيب يقول: ليس من يوم إلا تعرض على النبي صلى الله عليه وسلم أمته غدوة وعشية فيعرفهم بسماهم وأعمالهم فلذلك يشهد عليهم يقول الله تبارك وتعالى: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً} .