فصل: واختلف العلماء هل وقع من الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين بعد النبوة صغائر من الذنوب يؤاخذون بها ويعاتبون عليها ويشفقون على أنفسهم منها أم لا بعد اتفاقهم على أنهم معصومون من الكبائر ومن الصغائر التي تزري بفاعلها وتحط منزلته وتسقط مروءته إجماعاً؟ عند القاضي أبي بكر وعن الأستاذ أبي بكر أن ذلك مقتضى دليل المعجزة وعند المعتزلة أن ذلك مقتضى دليل العقل على أصولهم، فقال الطبري وغيره من الفقهاء والمتكلمين والمحدثين: تقع الصغائر منهم خلافاً للرافضة حيث قالوا إنهم معصومون من جميع ذلك كله، واحتجوا بما وقع من ذلك في التنزيل وثبت من تنصلهم من ذلك في الحديث وهذا ظاهر لا خفاء به.
وقال جمهور من الفقهاء من أصحاب مالك وأبي حنيفة والشافعي: إنهم معصومون من الصغائر كلها كعصمتهم من الكبائر لأنا أمرنا باتياعهم في أفعالهم وآثارهم وسيرهم مطلقاً من غير التزام قرينة، فلو جوزنا عليهم الصغائر لم يمكن الاقتداء لهم إذ ليس كل فعل من أفعالهم يتميز مقصده من القربة والإباحة والحظر أو المعية ولا يصح أن يؤمر المرء بامتثال أمر لعله معصية لا سيما على من يرى تقديم الفعل على القول إذا تعارضا من الأصوليين.