عمله، فإذا فرغ من ذلك دخل عليه فتانا القبر، وهما ملكان أسودان، يخرقان الأرض بأنيابهما، لهما شعور مسدولة يجرانها على الأرض، كلامها كالرعد القاصف، وأعينهما كالبراق الخاطف، ونفسهما كالريح العاصف، بيد كل واحد منهما مقمع من حديد لو اجتمع عليه الثقلان ما رفعاه، لو ضرب به أعظم جبل لجعله دكاً، فإذا أبصرتهما النفس ارتعدت، وولت هاربة فتدخل في منخر الميت فيحيا الميت من الصدر ويكون كهيأته عند الغرغرة، ولا يقدر على حراك، غير أنمه يسمع وينظر قال: فيقعدانه فيبتدئانه بعنف وينتهرانه بجفاء وقد صار التراب له كالماء حيثما تحرك انفسح فيه ووجد فرجة فيقولان له: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ وما قبلتك؟ فمن وفقه الله وثبته بالقول الثابت قال: ومن وكلكما علي؟ ومن أرسلكما إلي؟ وهذا لا يقوله إلا العلماء الأخيار.
فيقول أحدهما للآخر: صدق.
كفي سرنا ثم يضربان عليه القبر كالقبة العظيمة، ويفتحان له بابا إلى الجنة من تلقاء يمينه، ثم يفرشان له من حريرها وريحانها ويدخل عليه من نسيمها وروحها وريحانها ويأتيه عمله في صورة أحب الأشخاص إليه، يؤنسه ويحدثه ويملأ قبره نوراً، ولا يزال في فرح وسرور ما بقيت الدنيا حتى تقوم الساعة، ويسأل: متى تقوم الساعة؟ فليس شيء أحب إليه من قيامها.
ودونه في المنزلة المؤمن