فصل في اختلاف الناس في ابن صياد

قال أبو سليمان الخطابي: وقد اختلف الناس في أمر ابن صياد اختلافاً كثيراً وأشكل أمره حتى قيل فيه كل قول وقد يسأل عن هذا فيقال: كيف يقارن رسول الله صلى الله عليه وسلم من يدعى النبوة كاذباً ويتركه بالمدينة يساكنه في داره ويجاوره فيها وما وجه امتحانه إياه بما خبأ له من آية الدخان، وقوله بعد ذلك: اخسأ فلن تعدو قدرك.

قال أبو سليمان والذي عندي أن هذه القضية إنما جرت معه أيام مهادنة رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود وحلفاءهم، وذلك أنه بعد مقدمه المدينة كتب بينه وبينهم كتاباً وصالحهم فيه على أن لا يهاجروا وأن يتركوا على أمرهم، وكان ابن صياد منهم أو دخيلاً في جملتهم وكان يبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره وما يدعيه من الكهانة ويتعاطاه من الغيب، فامتحنوه بذلك ليروا آية أمره فلما كلمه علم أنه معطل وأنه من جملة السحرة والكهنة يأتيه ربيب من الجنة أو يتعاهده شيطان فيلقى على لسانه بعض ما يتكلم به، فلما سمع منه قول الدخ زجره وقال: اخسأ ولن تعدو قدرك يريد أن ذلك شيء ألقاه إليه الشيطان، وأجراه على لسانه، وليس ذلك من قبل الوحي إذ لم يكن له قدر الأنبياء الذين يوحى إليهم علم الغيب ولا درجة الأولياء الذين يلهمون العلم ويصيبون بنور قلوبهم الحق، وإنما كانت له تارات يصيب في بعضها ويخطئ في بعض وذلك معنى قوله: «يأتي صادق وكاذب» .

فقال له عند ذلك خلط عليك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015