في الثانية فينجو بعضهم ويهلك بعض، وأما في الثالثة فيصطلمون» .
فصل
قوله: المجان المطرقة.
المجان جمع مجن وهو الترس، والمطرقة هي التي قد عوليت بطراق، وهو الجلد الذي يغشاه شبه وجوههم في عرضها ونتوء وجناتها بالترس والمطرقة، قال معناه الخطابي وغيره وقيده القاضي عياض رحمه الله في كتاب مشارق الأنوار له، فقال: الصواب فيه المطرقة بفتح الطاء وتشديد الراء.
قاله الحافظ أبو الخطاب بن دحية، قال لي شيخنا المحدث الكبير اللغوي النحوي أبو إسحاق الحمزي، بل الصواب فيه المطرقة بسكون الطاء وفتح الراء أي التي أطرقت بالعقب أي ألبست حتى غلظت وكأنها ترس على ترس، ومنه طارقت النعل إذا ركبت جلداً على جلد وخرزته عليه.
قال المؤلف رحمه الله تعالى: هذا معنى ما نقلناه عن الخطابي، وقال أهل اللغة: وفي الصحاح والمجان المطرقة التي يطرق بعضها على بعض كالنعل المطرقة المخصوفة، يقال: أطرقت الجلد والعصب أي ألبسته وترس مطرق، وقولهم: نعالهم الشعر أي يصنعون من الشعر حبالاً ويصنعون منها نعالاً كما يصنعون منه ثياباً ويشهد بهذا قوله يلبسون الشعر ويمشون في الشعر هذا ظاهره، ويحتمل أن يريد بذلك أن شعورهم كثيفة طويلة فهي إذا أسدلوها كاللباس وذوائبها لوصولها إلى أرجلهم كالنعال، والأول أظهر.
قال ابن دحية: إنما كان نعالهم من ضفائر الشعر أو من جلود مشعرة لما في بلادهم من الثلج العظيم الذي لا يكون في بلد كبلادهم، ويكون من جلد الذئب وغيره.
وقوله: يلبسون الشعر فهو إشارة إلى الشرابيش التي يدار عليها بالقندس، والقندس كلب الماء وهو من ذوات الشعر كالمعز، وذوات الصوف كالضأن، وذوات الوبر الإبل، وقوله: ذلف الأنف أي غلاظها، يقال: أنف أذلف إذا كان فيه غلظ وانبطاح والذلف في اللغة تأخر الأرنبة وقيل تطامن فيها، وقيل فطس الأنوف كما في حديث البخاري عن أبي هريرة، فالحديث كالقرآن يفسر بعضه بعضاً، ويروى دلف الأنوف بالدال المهملة والمعجمة أكثر.
قال الحافظ أبو الخطاب بن دحية رضي الله عنه: وخوزا قيدناه في صحيح البخاري ومسلم بالزاي وقيده الجرجاني في خور كورمان بالراء المهملة مضافاً إلى كرمان، وكذا صوبه الدارقطني بالراء المهملة مع الإضافة، وحكاه عن الإمام أحمد بن حنبل، وقال: إن غيره صحف فيه، وقال غير الدارقطني إذا أضيف فبالراء المهلمة لا غير وإذا عطفته فبالزاي لا غير، ويقال: إنهما جنسان.
روى الإمام أحمد بن حنبل في مسنده قال: «حدثنا أبو نعيم، حدثنا بشر بن المهاجر قال: حدثنا عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم فسمعت النبي يقول: إن أمتي يسوقها قوم عراض الوجوه صغار الأعين كأن وجوههم الحجف ثلاث مرات حتى يحلقوهم بجزيرة العرب، أما السياقة الأولى فينجو من هرب منهم، وأما السياقة الثانية فيهلك بعض وينجو بعض، وأما السياقة الثالثة فيصطلمون كلهم من بقي منهم