النظر في البيمارستان العضدي، وكتابة السكة بالديوان العزيز، قعد به الدهر، وأخذ يبيع كتبه لينفق من ثمنها على معيشته، ويصف ياقوت مبلغ حزنه عليها وبكائه لفراقها وصفا مؤثرا؛ وقد كان أبو سعد هذا ذا خط رائق كتب به كثيرا من الكتب الكبار والصغار وصححها على المشايخ الذين لقيهم «1» ، وأحدثت له حادثة السجن التي تعرض لها أبوه «عقدة نفسية» فقد صنّف عددا من الكتب لم يجرؤ على إظهارها «خوفا مما طرق أباه» «2» . وهذا يدل على أن ما رواه العماد عن سبب سجن صاحب التذكرة كان مما اعتقده أهله، وراج بين الناس. وقد توفي أبو سعد تاج الدولة هذا في سنة 608 ودفن بمقبرة موسى بن جعفر بباب التبن من بغداد؛ وبه وبأبيه يصحّ القول بأن تلك الأسرة شهرت بالرواية مثلما شهرت بسائر أفرادها بالرياسة وبالكتابة.

2- كتاب التذكرة الحمدونية:

لا ريب في أن جامع هذا الكتاب هو أبو المعالي محمد بن الحسن، وإن وهم في ذلك أبو شامة فنسب جمعه إلى ابنه «3» وكذلك فعل الذهبي «4» ، وهو كتاب ضخم ذكر الصفدي (وعنه الكتبي) أنه في اثني عشر مجلدا «5» ، وقد ذكر العماد أنه كتاب كبير «جمع فيه الغث والسمين والمعرفة والنكرة» ، كما ذكر المنذري أنه مشهور وأنه أجاد فيه وأحسن، وقال الدبيثي يحتوي على فنون أجاد فيه وأحسن في جمعه، وقال ابن خلكان: «من أحسن المجاميع يشتمل على التاريخ والأدب والنوادر والأشعار لم يجمع أحد من المتأخرين مثله وهو مشهور بأيدي الناس كثير الوجود، وهو من الكتب الممتعة» . وليس بين هذه الأقوال فروق، فهي تترادف أو يكمّل بعضها بعضا، وقد يكون قول العماد «جمع فيه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015