قد شمّرت عن ساقها فشدّوا ... وجدّت الحرب بكم فجدّوا
والقوس فيها وتر عردّ ... مثل ذراع البكر أو أشدّ
إني والله يا أهل العراق ما يقعقع لي بالشنان، ولا يغمز جانبي كتغماز البنان. ولقد فررت عن ذكاء، وفتّشت عن تجربة، وإنّ أمير المؤمنين نثل كنانته، فعجم عيدانها عودا عودا، فوجدني أمرّها عودا وأصلبها مكسرا، فرماكم بي لأنكم طالما أوضعتم في الفتنة واضطجعتم في مراقد الضّلال. والله لأحزمنّكم حزم السّلمة ولأضربنكم ضرب غرائب الإبل، فإنكم كأهل قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كلّ مكان، فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف، وإني والله ما أقول إلا وفيت، ولا أهمّ إلا أمضيت، ولا أخلق إلا فريت، وإن أمير المؤمنين أمرني بإعطائكم وأن أوجهكم لمحاربة عدوكم مع المهلّب بن أبي صفرة، وإني أقسم بالله لا أجد رجلا تخلّف بعد أخذ عطائه ثلاثة أيام إلا ضربت عنقه، يا غلام اقرأ عليهم كتاب أمير المؤمنين، فقرأ:
بسم الله الرحمن الرحيم: من عبد الله عبد الملك أمير المؤمنين إلى من بالكوفة من المسلمين، سلام عليكم، فلم يقل أحد شيئا، فقال الحجاج:
قف يا غلام، ثم أقبل على الناس فقال: أسلّم عليكم أمير المؤمنين فلم تردّوا عليه شيئا؟ هذا أدب ابن نهية، أما والله لأؤدبنكم غير هذا الأدب أو لتستقيمنّ الطريق، اقرأ يا غلام كتاب أمير المؤمنين فلما بلغ إلى قوله: سلام عليكم، لم يبق أحد في المسجد إلا قال: وعلى أمير المؤمنين السلام، ثم نزل فوضع للناس أعطياتهم، فجعلوا يأخذون حتى أتاه شيخ يرعش كبرا فقال:
أيها الأمير، إني من الضعف على ما ترى، ولي ابن هو أقوى على الأسفار مني أفتقبله بدلا؟ فقال له الحجاج: نفعل يا شيخ، فلما ولّى قال له قائل:
أتدري من هذا أيها الأمير؟ قال: لا، قال: هذا عمير بن ضابىء البرجمي الذي يقول أبوه: [من الطويل] .