زاد تبسّط بايكباك وتسلّطه، قبض عليه ليواقفه على أفعاله وهو لا يريد قتله، فجاشت الأتراك وحضروا الباب يطلبونه، فاستشار المهتدي صالح بن عليّ بن يعقوب بن المهدي بن المنصور، وكان ذا قعددهم، فقال: يا أمير المؤمنين، هو حديث أبي مسلم والمنصور، فلو فعلت كما فعل لسكنوا، فأمر بضرب عنقه ورمى رأسه إليهم، فتناخروا وشدّوا على الذي ألقى الرأس فقتلوه، وأضرموا حربا أجلت عن هزيمة المهتدي، ثم ظفروا به وقد هرب إلى دار وغيّر زيه، فأردفوه سائسا على بغل وخلعوا أصابعه حتى خلع نفسه ثم قتلوه.

[1078]- وكان المهتدي أمير صدق وصاحب نسك، لبس الصوف، وهمّ بافاضة العدل فحالت دونه الأتراك، وقصرت أيامه فلم يتمكن من مرامه، وكان يسمّى راهب بني العباس؛ تظلّم إليه رجل من بعض أسبابه فاحضره وحكم عليه بما صحّ عنده، فقام الرجل وشكره وقال: أنت يا أمير المؤمنين كما قال الأعشى: [من السريع] .

حكمتموه فقضى بينكم ... أبلج مثل القمر الزاهر

لا يقبل الرشوة في حكمه ... ولا يبالي غبن الخاسر

فقال المهتدي: أما أنت فأحسن الله جزاءك، وأما شعر الأعشى فما رويته، ولكني قرأت اليوم قبل خروجي إلى هذا المجلس قول الله سبحانه وتعالى: وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ

(الأنبياء: 47) فما بقي أحد في المجلس إلّا بكى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015